النهار المغربية – شفيق عنوري
سلط فيلم وثائقي جديد أخرجته الإسبانية فيكتوريا غونزاليس أرنسيبيا، الضوء، على الآثار الوخيمة التي تركها استعمال الاحتلال الإيبيري للأسلحة الكيماوية في قتاله ضد المقاومة الريفية شمال المغرب.
واختارت المخرجة الإسبانية الشابة، اسم “غيرنيكا الريفية” للوثائقي، في محاولة منها لجعل الإسبان يفهمون حجم المأساة التي تعرض لها الريف المغربي، من خلال الاستعانة باسم مدينة باسكية (غيرنيكا) تعرضت لقصف جوي عنيف يوم 26 أبريل 1937 على يد سلاح الجو الألماني الداعم للجنرال فرانكو خلال الحرب الأهلية.
وقالت أرنسيبيا، في حوار أجرته معها صحيفة “laprovincia”، إن فكرة الفيلم الوثائي ظهرت في إحدى حصص الماجستير، حيث جاء صحفي متخصص في شمال أفريقيا؛ ريكاردو غونزاليس، وذكر أن إسبانيا، في حرب الريف، استخدمت أسلحة كيميائية وأن السكان ما زالوا يموتون بسبب السرطان رغم مرور 100 عام.
وأضافت أرنسيبيا أن” هذه العبارة بقيت محفورة في ذاكرتي، لأنني في تلك اللحظة شعرت بالصدمة”، متابعةً: “لم أكن أعرف مكان الريف، لكن صدمت جدًا أن حدثًا وقع منذ وقت طويل ما زال له تأثيرات حتى اليوم. كانت هذه أكبر دوافع لي لإنجاز الفيلم الوثائقي”.
وبخصوص موضوع الفيلم، أوضحت أنه “يحمل ثلاثة أنواع من التنديد. من جهة، يشرح بإيجاز كيف كانت حرب الريف ولماذا كانت إسبانيا في شمال المغرب. كما يدين أن بلدنا استخدم، لأول مرة في التاريخ، القصف الجوي بأسلحة كيميائية ضد السكان المدنيين”.
واسترسلت: “لم يكن الهجوم على المقاتلين، بل كان موجهاً مباشرة نحو الأسواق والقرى. استخدموا، بشكل رئيسي، سلاحًا كيميائيًا يسمى غاز الخردل بسبب لونه الأصفر. هذا السائل لا يلوث الأرض والماء والماشية فحسب، بل هو أيضًا مادة مسرطنة، مما يعني أنه يسبب السرطان للسكان”.
وأردفت: “مرّت 100 سنة على هذا الحدث وما زالت الأرض ملوثة، وللأسف، لا يزال الناس يموتون بسبب هذا المرض. تتفاقم الوضعية أكثر لأن إسبانيا لم تعترف بما فعلته”، مضيفةً حاول أطراف سياسية ” منح صوت لما حدث في الريف من خلال اقتراح برلماني، لكن تم رفضه من قبل الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي العمالي”.
وأبرزت أن هذا العمل هو الأول لها في هذا الميدان، مشيرةً إلى أنها لم تكن تعرف بالضبط كيف تبدأ “وحاولت البحث عن المساعدة. كنت أرغب أن يرافقني أحد إلى المغرب لكي لا أسافر وحدي لأنني لم أزر هذا البلد من قبل، ولأحصل على دعم من محترف مثل مصور أو مصور فيديو”.
ونبهت إلى أن رحلتها إلى المغرب كانت “نصفها مغامرة ونصفها مقابلات محددة مسبقًا. لم أكن أستطيع أن أسأل الناس في الشارع (…) بالإضافة إلى ذلك، قلت إنني طالبة تاريخ وإنني سأتعرف أكثر على حرب الريف. لم أستطع إجراء المقابلات في الشارع، ولم أتمكن من استخدام الحامل الثلاثي للكاميرا”.
وأوضحت المخرجة التي حلت بالمغرب مع تمثلات مغلوطة تتعلق بإمكانية منعها من التصوير أو الحصول على شهادات ميدانية حول الموضوع: “لم أكن أريد أن أثير الشكوك (…) ذهبت مع مقابلتين محددتين مسبقًا، وعلى الرغم من أن واحدة تم إلغاؤها، إلا أن الأخرى، التي كانت مع رئيس جمعية ذاكرة الريف، تمكنت من إجرائها”.
وأشارت المخرجة الإسبانية، إلى أن رئيس جمعية ذاكرة الريف، “كان الشخص الذي وضعني على اتصال بأشخاص آخرين موثوقين تحدثوا معي عن الموضوع دون أي مشكلة. ومع ذلك، لم يرغب أي من الأطباء الذين تواصلت معهم في المشاركة”.
في اليوم الثالث، أوضحت المخرجة: “أجريت مقابلة مع الأستاذ عبد المجيد عزوزي، وهو أحد المصادر الرئيسية للفيلم الوثائقي. عمل كمترجم وأرشدني إلى المواقع التاريخية. كنت محظوظة جدًا لأنني كنت خائفة جدًا. تحدثت مع صحفية قضت وقتًا طويلًا في المغرب ونصحتني بعدم النزول من السيارة في المواقع المحددة لأنها قد تتبعني”.
وبخصوص أكبر تحدّ واجهته المخرجة في عملها فقد قالت إنه “تركيز وتلخيص المعلومات. كانت هناك الكثير من الأمور التي أردت أن أعطيها صوتًا، وكان ذلك بالتأكيد التحدي الأكبر”، مردفةً أنها قررت في النهاية “دمج القليل من كل شيء. تحدٍ آخر كان التواجد هناك والشعور بالخجل من أنني لا أعرف تاريخ الريف”.
واختتمت أرنيسيبيا حوارها بالقول: “عندما أخبرت سكان المنطقة أنني تحدثت مع والدي وأصدقائي عن الصراع العسكري بين إسبانيا والمكان وأنهم أيضًا لم يكونوا يعرفون عنه، شعرت بخجل شديد، ليس فقط لأنه تاريخ المغرب، الذي هو أيضًا، لأن المغرب بلد جار، بل لأنه في الوقت نفسه تاريخ إسبانيا ونحن لا نعرفه”.