المصدرون المغاربة يستعدون لآلية “تعديل الكربون الأوروبية” في 2026

مع اقتراب “آلية تعديل الكربون على حدود الاتحاد الأوروبي” (CBAM)، التي ستدخل حيز التنفيذ ابتداء من يناير 2026، بدأت الاستعدادات بين مهنيي التصدير في المغرب من أجل تلاؤمهم مع هذه الآلية التنظيمية التي سيكون لها تأثير يستوجب الاستعداد إليه بشكل جيد، يرفع من تنافسية الصادرات المغربية بما قد ينعكس أيضًا كـ”مزايا اقتصادية” في الميزان التجاري.

وبدأ التمهيد والاستعداد تفاعلا مع الآلية طيلة السنوات الثلاث الأخيرة، بدءًا من الفترة الانتقالية سنة 2023، انطلاقا من التصريح بالانبعاثات؛ فيما كان “إطلاق ضريبة الكربون من أجل ملاءمة النظام الضريبي مع التحديات المناخية، من خلال اعتماد نظام ضريبي أخضر”، ضمن مصفوفة من التدابير الرئيسية البارزة في التقرير المتعلق بـ”تنفيذ الميزانية والتأطير الماكرو اقتصادي لثلاث سنوات”، الصادر عن وزارة الاقتصاد والمالية بشكل استبق إصدار مشروع قانون المالية للسنة المالية الجارية.

إعلان المصدرون المغاربة يستعدون لآلية "تعديل الكربون الأوروبية" في 2026

وفي سياق متصل بمستجدات “تنفيذ اللوائح التنظيمية” للآلية أطلقت المفوضية الأوروبية على موقعها الرسمي، ثلاث “استشارات للعموم” ضمن مبادرات لدعوات لتقديم التفاعلات مع الموضوع، خاصة فيما يرتبط بـ”شهادات CBAM”؛ وهي المبادرة التي تضع “قواعد تفصيلية بشأن كيفية تعديل شهادات آلية تعديل الكربون على الحدود التي يتعين على المصرّحين المعتمدين بموجب الآلية تقديمها، وذلك بما يعكس مدى تخصيص حصص نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي (EU ETS) مجاناً”.

“ستضع هذه المبادرة قواعد لتحويل سعر الكربون المدفوع في بلدٍ ثالث مقابل الانبعاثات المضمّنة المعلن عنها إلى عدد مماثل من شهادات آلية تعديل حدود الكربون مع مراعاة أي شكل من أشكال التعويض المتاحة في ذلك البلد، ما يؤدي إلى تخفيض السعر”، حسب ما أوردته المفوضية وطالعته جريدة النهار.

وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي صادق بالإجماع، أواخر غشت المنقضي خلال الدورة العادية الـ 173 لجمعيته العامة، على مشروع رأي المجلس حول “آلية تعديل الكربون على حدود الاتحاد الأوروبي وتأثيرها على المبادلات التجارية مع المغرب”؛ ويتناول “تحليل الآثار المحتملة لهذه الآلية على الصادرات المغربية، واستشراف الفرص التي تتيحها، خاصة في ضوء إستراتيجية إزالة الكربون التي شرع المغرب في تنفيذها منذ عدة سنوات بهدف تعزيز تنافسيتها في هذا المجال”.

“المهنيون مستعدّون”

تفاعلا مع استعدادات المغرب لإقرار ضريبة الكربون، في سياق اقتراب إنفاذ الآلية الأوروبية سالفة الذكر، أكد مصدر مطلع ومسؤول من داخل “الكونفدرالية المغربية للمصدرين” (COMEX) أن “المصدّرين ومهنيي القطاع في المغرب على أهبة الاستعداد للتفاعل مع الانعكاسات المحتملة وملاءمة إنتاجهم وصادراتهم إلى الاتحاد الأوروبي مع ما تنص عليه التشريعات الأوروبية”، مؤكدا أن “المصدّرين استفادوا في مختلف جهات المملكة من تكوينات وتأطير وحملات تحسيس وتوعية في هذا الصدد”.

ولفت المصدر المهني ذاته، متحدثا إلى جريدة جريدة النهار الإلكترونية، إلى أن المصدّرين ينتظرون أيضاً مضامين مشروع قانون المالية للعام 2026 الذي سيحدد في جانبه الضريبي والجمركي بعض الإجراءات المواكبة في حال تم إقرار ضريبة للكربون، كانت المشاورات جارية بشأنها منذ السنة الماضية؛ ما يعني أن “الكرة في ملعب الدولة ووزارة الاقتصاد والمالية وباقي الفاعلين لاستكمال مشاوراتهم مع المهنيين حول الموضوع وتأثيراته في ضوء الرأي المرتقب للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي”.

وبشأن التأثيرات قال المصدر من الاتحاد الذي يجمع المصدرين المغاربة إنها “ستكون واقعة على عدد من القطاعات التي تستخدم طاقات أحفورية في إنتاجها؛ بما يحتّم عليها تقليل بصمتها الكربونية ورفع مستوى تنافسيتها على صعيد التصدير نحو الاتحاد الأوروبي”، مبرزا أن هيئات المهنيين سبق أن نظمت جولات جهوية للاستماع للشركات المصدرة المعنية وتحديات الانتقال الأخضر لمنتجاتها نحو التكتل الأوروبي الذي يهمين على وجهة صادرات المملكة.

التموقع كفاعلٍ تنافسي

من جانبه أوضح أحمد المغربي، خبير متخصص في مجال الاستيراد والتصدير، أن “أوروبا ستبدأ العمل، ابتداء من يناير 2026، بآلية تعديل الكربون على الحدود (CBAM) التي ستفرض على المستوردين أداء تكلفة كربونية تعكس حجم الانبعاثات المضمَّنة في بعض السلع المستوردة، مثل الحديد والصلب والألومنيوم والإسمنت والأسمدة والكهرباء والهيدروجين”، مستحضرًا أنه “بعد فترة انتقالية بدأت في 2023 مقتصرة على التصريح بالانبعاثات ستصبح الآلية أداة مالية وتنظيمية مؤثرة في حركة المبادلات التجارية مع الشركاء، ومن ضمنهم المغرب”.

وأضاف المغربي ضمن تصريح لجريدة النهار: “بالنسبة للاقتصاد الوطني يشكّل هذا التحول تحدياً مباشراً، خصوصاً للصادرات كثيفة الكربون التي قد تواجه ارتفاعاً في كلفة الولوج إلى السوق الأوروبية، الشريك التجاري الأول للمغرب. ومع ذلك فإن الوضع لا يقتصر على كونه تهديداً فحسب، بل يحمل أيضاً فرصاً إستراتيجية إذا ما أُحسِن الاستعداد له”.

وتابع المتحدث شارحا بأن “المغرب شرع منذ سنوات في تنفيذ إستراتيجية طموحة لإزالة الكربون، مستندة إلى الاستثمارات الضخمة في الطاقات المتجددة (الرياح، الشمسية، والهيدروجين الأخضر)، وإلى التوجه نحو جعل الصناعة الوطنية أكثر تنافسية من خلال خفض الانبعاثات وتعزيز النجاعة الطاقية. وفي هذا السياق فإن مشروع رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي صودق عليه مؤخراً، يؤكد أن هذه الآلية يمكن أن تكون رافعة لدفع مقاولاتنا إلى تسريع التحول نحو إنتاج نظيف، والتموقع كفاعلٍ تنافسي في سلاسل القيمة العالمية التي تعطي اليوم أولوية للكربون المنخفض”.

خطوات عملية ملحّة

ولتحقيق غاية أن “يحوّل المغرب هذا التحدي إلى فرصة” يرى المتحدث ذاته أن “هناك خطوات عملية ملحّة، منها: إرساء منظومات دقيقة لقياس وتتبع الانبعاثات (MRV = Measurement, Reporting, Verification)، وإعداد بيانات بيئية للمنتجات (EPD – Environmental Product Declaration)، وتشجيع المقاولات على إبرام عقود الطاقات المتجددة، فضلاً عن دعم قدرات الفاعلين الصناعيين الصغار والمتوسطين على الاندماج في هذه الدينامية”.

وخلص أحمد المغربي إلى أن “آلية تعديل الكربون الأوروبية ليست مجرد إجراء بيئي أوروبي، بل هي أيضاً أداة ستعيد تشكيل قواعد المنافسة الدولية”، خاتما بأنه “بفضل إستراتيجيته الطاقية الطموحة وخطواته المتقدمة في مجال إزالة الكربون يملك المغرب مُقوّمات متميزة لتحويل هذه التحديات إلى فرصة تاريخية تعزز تنافسية صادراته وترسّخ موقعه كوجهة صناعية خضراء قادرة على التصدّر في أسواق المستقبل”.

زر الذهاب إلى الأعلى