كرنفال “بيلماون” يعود إلى أكادير بداية يوليوز.. ومأسسة التظاهرة تلقى الإشادة

كرنفال "بيلماون" يعود إلى أكادير بداية يوليوز.. ومأسسة التظاهرة تلقى الإشادة
حجم الخط:

بعد نسخته الأولى التي جرى تنظيمها السنة الماضية يعود الكرنفال الدولي “بيلماون” ليضرب موعدا لعشاق هذا الموروث الأمازيغي بأكادير خلال الأيام الثلاثة من شهر يوليوز المقبل، إذ يرتقب أن يتم تنظيمه مجددا من قبل المجالس المنتخبة بالجهة، بعد أن ظهرت خلال السنوات الأخيرة محاولاتٌ لمأسسته بعد أن كان ينظم من قبل جمعيات المجتمع المدني في صيغته القروية بالأساس.

وضم الكرنفال السنة الماضية عروضا فنية لفرق مختلفة تمثل منطقة “أكادير الكبير”، إلى جانب سهرات فنية، في حين عرفت التظاهرة إقامة ندوات علمية حضرها أساتذة وأكاديميون باحثون في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والتاريخ، بمن فيهم أجانب، حاولوا إبراز الجوانب الثقافية والحضارية لـ”بيلماون” وسبل الدفع به نحو العالمية.

وترى المجالس المشاركة في تنظيم هذه التظاهرة مجددا أن تأطير بيلماون “سيساهم في الرقي به من فن هامشي معروف بمنطقة ترابية محدودة إلى فلكلور عالمي، بما يدعم التسويق الترابي للجهة والترويج للدينامية الثقافية والسياحية لسوس ماسة، بما يضمن صونه، في أفق تسجيله باسم المنطقة عالميا”، غير أن التوجه نحو المأسسة يظل في نظر مهتمين آخرين “إفراغا للتظاهرة من روحها، لاسيما أنها نشأت في حضن البوادي وكانت تنظم فقط من قبل المجتمع المدني، وكل تطوير لها سيدجنها عوض أن يضمن استدامتها”.

في اتجاه العالمية

عبد العزيز ياسين، أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة ابن زهر بأكادير، قال إن “التوجه نحو مأسسة ‘بيلماون’ يظل نتاجا لتراكمات العمل الجمعوي والمدني، واستمرار هذا الطقس التراثي لسنوات، حتى ظهرت استفاقة عدد من المجالس المنتخبة ضمن النطاق الترابي الذي ينظم فيه بهدف تطويره والتعريف به”، موردا أن “تدخُّلُ المؤسسات من أجل تطوير هذا النشاط لا يمكن إلا أن يكون إيجابيا، خصوصا إن كانت الأمور تتجه صوب تصنيفه عالميا”.

واعتبر ياسين، مصرحا لجريدة النهار، أن “التجربة الموجودة حاليا بالجهة هي تجربة بلدية أكادير، على أمل انخراط المجالس الأخرى في هذا الورش، إذ إن مأسسته تخدم التسويق الترابي للجهة وتخدم كذلك إنعاش الدينامية السياحية، خصوصا بالمناطق الساحلية للجهة؛ غير أنه من المفروض أن نجد بيلماون حاضرا على مستوى برامج عمل الجماعات الترابية مستقبلا وألا يرتبط بمكتب أو مجلس بعينه”.

وجوابا عن سؤال إمكانية تأثير المأْسسة سلبا على أدوار المجتمع المدني في ضمان استدامة “بيلماون” كشف الأستاذ الجامعي أن “دخول المجلس المنتخبة على خط الموروث الفني لا يعني أبدا نزع الصفة عن البادية كمحتف أول بهذا النشاط، إذ إن ضواحي أكادير مازالت تعرف تنظيم هذه التظاهرة من قبل المجتمع المدني لوحده، في وقت لا يتوفر أحد على صفة الحديث عن طريقة معينة لإحياء هذه التظاهرة السنوية”.

المجالس تدعم “بيلماون”

الحسين بويعقوبي، نائب مدير “بيلماون، الكرنفال الدولي لأكادير”، ذَكَر أن “المجالس المنتخبة على مستوى الجهة كانت دائما حاضرة في تنظيم الأنشطة المرتبطة باحتفالات بيلماون، إن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، عبر الدعم اللوجيستيكي أو المادي أو المعنوي، دون أن يدخل ذلك في إطار تنفيذ برنامجها التنموي”.

وأضاف بويعقوبي، في تصريح لجريدة النهار، أن “الجديد في أكادير هو أن الجماعة وضعت كرنفال بيلماون في مخططها التنموي الذي صادقت عليه، وخصصت له ميزانية، وهو ما تعمل على تنزيله منذ السنة الماضية بعد أن بحثت عن شركاء لإنجاحه وتقديمه في حلة تليق بمدينة أكادير، باعتبارها من كبريات المدن السياحية في المغرب؛ أما محاولة مأسسة تنظيم هذا الكرنفال فليست جديدة، ذلك أن عمالة إنزكان أيت ملول مثلا حاولت سابقا القيام بالأمر نفسه، وكانت التجربة مهمة جدا، خاصة خلال سنوات 2013 و2014 و2015”.

وتابع المتحدث ذاته: “في هذه المرحلة التأسيسية لـ’بيلماون الكرنفال الدولي لأكادير’ يُعتبر دورُ جماعة أكادير أساسيا في توفير الشروط الضرورية لميلاد كرنفال يستمد شرعيته من الموروث الأمازيغي العريق، ومن الاحتضان الشعبي الكبير، وفي الوقت نفسه ينفتح على العالمية. وفي ما بعد يمكن التفكير في تأسيس مؤسسة خاصة للإشراف على تنظيم هذا الكرنفال. وإذا استفدنا من التجارب الكرنفالية العالمية فدعم المجالس المنتخبة أساسي في تطويرها، خاصة أنها نجحت في ربط الكرنفال بالتنمية الثقافية والاقتصادية لهذه المدن وعملت على تقوية جاذبيتها المجالية، وهو ما تعمل جماعة أكادير على تحقيقه”.

وعاد بويعقوبي ليشير إلى أن “بداية مأسسة احتفالات بيلماون كانت منذ أن ظهرت الجمعيات المهتمة بالموضوع في تسعينيات القرن الماضي، وهي أساسا ظاهرة حضرية، عكس المجال القروي الذي مازالت تنظم فيه هذه الاحتفالات بطريقة عفوية؛ فالتحولات التي عرفتها أكادير والمدن المجاورة لها فرضت تدخل الجمعيات والسلطات المحلية والجماعات الترابية لتأطير هذه الاحتفالات ذات الامتدادات الشعبية الكبيرة”، وزاد: “على مستوى أكادير ما تقوم به إدارة الكرنفال هو التأطير، أما العمل الأساسي فمازال الشباب والجمعيات من يقوم به، من خلال الاجتهاد والتباري لتقديم أجمل ما لديهم من الإبداعات الكرنفالية. فكرنفال بيلماون لأكادير يقدم نفسه منصة دولية للإبداع الشبابي على مستوى القناع والأزياء التنكرية والمجسمات ومسرح الشارع”.

تثمينٌ للموروث

لحسن باكريم، إعلامي ناشط أمازيغي، قال إن “تحويل طقس بيلماون إلى كرنفال عالمي جاء بعد وجود تراكم تاريخي مرتبط بهذه التظاهرة الثقافية، إذ إن جهة سوس ماسة كانت تعرف الاحتفاء بهذه التظاهرة بعدد من المدن، بما فيها انزكان والدشيرة وتيزنيت؛ فالطقس ظل دائما ذا أهمية كبرى ودائما ما وُجد طموح من أجل التعريف به دوليا”.

وأضاف باكريم، مُصرّحا لجريدة النهار، أن “التجربة الأولى التي تم تنظيمها السنة الماضية تضمنت ندوات أكاديمية وسهرات بما يشبه تنظيم كرنفالات شعبية عالميا، كما هو الحال بفرنسا أو جزر كناريا؛ فبيلماون في عمقه يظل تظاهرة اجتمعت حولها إرادات متعددة ولها رؤى مختلفة يجمعها الإيمان بضرورة التأصيل لبيلماون بعد أن تخلت عن إحيائه بعض الدواوير ضواحي أكادير لأسباب موضوعية، بما فيها سيادة تيارات تحرم هذا الطقس لاعتبارات دينية”.

وزاد المتحدث: “ما يميز تظاهرة هذه السنة هي تزامنها مع بداية شهر يوليوز الذي يعرف بدوره تنظيم مهرجان تيميتار؛ فالارتقاء بالموروث الثقافي الأمازيغي هو نوع من الإنقاذ له ونريد إخراجه من بعض المعضلات التي يعرفها بهدف الارتقاء به شكلا ومضمونا، في وقت تحتاج مدينة أكادير إلى تثمين تراثها الثقافي بما يجعل منها عاصمة للثقافة الأمازيغية؛ غير أن ذلك لن يتأتى إلا بوجود شراكة بين المجتمع المدني والنخبة الأكاديمية والمجالس المنتخبة”.