جرى إطلاق جمعية اليمامة لمساندة نزلاء الإصلاحيات والحد من مخاطر الإدمان بعد تجربة ميدانية ناجحة لفريق العمل بمركز طب الإدمان وتقليل المخاطر التابع لمؤسسة محمد السادس، وقد أفرزت هذه التجربة تصورا حقيقيا عن ارتباط الممارسات الاجتماعية لسلوك الإدمان بالجريمة وأشكالها، وبناء على هذه الملاحظات اضطر الفريق إلى تقييم الوضعية بشكل عملي وخلصوا إلى أنه من الضروري توفير خدمات للمستفيدين، خاصة الفئات التي مرت بالإصلاحيات أو السجون وعانت من تبعات التعاطي للمخدرات أو السلوك الانحرافي.
وتعتمد الجمعية في عملها على مفهوم المساندة والتحسيس لفائدة نزلاء الإصلاحيات وتقدم عدة برامج وخدمات لتحسين ظروف الفئات المستهدفة وإعادة دمجهم في المجتمع، تشمل التوجيه والإرشاد والتدريب على المهارات اللازمة للعودة إلى الحياة الطبيعية والاندماج في المجتمع، إلى جانب الدعم النفسي والعلاجي، كما تعمل الجمعية على تنظيم فعاليات لتوعية المجتمع بمخاطر الإدمان وكيفية التعامل مع المدمنين ومكافحة الوصم الاجتماعي والمساهمة في إحداث التغيير الإيجابي في المجتمع.
في هذا الحوار الذي أجرته “الصحراء المغربية” مع الباحث في سوسيولوجيا الإدمان والعضو المكلف بقطب التكوين والمواكبة بجمعية اليمامة لمساندة نزلاء الإصلاحيات والحد من مخاطر الإدمان، صلاح الدين بومارى، سيسلط الضوء على دور الجمعية في مساندة نزلاء الإصلاحيات وعملها على تعزيز التقبل والوعي لدى أفراد المجتمع للتصدي للصور النمطية المرتبطة بالمعتقلين السابقين ومساعدتهم على الاندماج مجددا داخل المجتمع وتسيير ولوجهم إلى سوق الشغل.
نريد أن تقربنا من سياق تأسيس الجمعية وما علاقة الإدمان بالفئات المستهدفة؟
يأتي سياق تأسيس جمعية اليمامة لمساندة نزلاء ونزيلات الإصلاحيات والحد من مخاطر الإدمان بعد التجربة الميدانية التي عاشها فريق العمل بمركز طب الإدمان وتقليل المخاطر التابع لمؤسسة محمد الخامس وهي حقيقة تجربة فريدة أفرزت لنا تصورات حقيقة عن مدى ارتباط أو علاقة الممارسة الاجتماعية لسلوك الإدمان بمسألة الجريمة وأشكالها، وهي ملاحظة يومية أجبرتنا على تقييم الوضعية بكيفية عملية صار معها النشاط اليومي حاجة إلى ضرورة احتواء المستفيدين والمستفيدات من خلال الخدمات خصوصا الفئات التي مرت عبر الإصلاحيات أو القادمة من مرحلة سجنية كانت لها تبعات التعاطي للمخدرات أو سلوك انحرافي سببه الاتجار أو استهلاك المادة فكانت الاستشارات الطبية تستفسر عن مدى ترابط ظاهرة الإجرام بمسألة الإدمان ما دفع بفريق العمل إلى استثمار التجربة وتحويرها كي تصير عملا تنظيميا يأخذ شكل جمعية دون أن ننسى المعطى التاريخي لقدم التسمية، فهي جمعية لها أيضا جذور تنظيمية ومؤسساتية بعدما كانت تشتغل ضمن ما يعرف بإدماج نزلاء ونزيلات مراكز الإصلاحيات، كما أنها كانت تشتغل داخل السجون في إطار عمليات التحسيس ومواكبة المفرج عنهم فاجتمعت كل من التجربة الميدانية بالمركز والجذور التاريخية كي تفرز لنا عملية إعادة بناء التنظيم وملاءمته مع احتياجات الراهن، مشتغلة بذلك على مفهوم المساندة والتحسيس لفائدة نزلاء ونزيلات الإصلاحيات والحد من مخاطر الإدمان وهي توليفة إجرائية لفلسفة اشتغال الجمعية.
كيف تعمل الجمعية لتحسين ظروف نزلاء الإصلاحيات وإعادة دمج المفرج عنهم داخل المجتمع وتيسير الولوج إلى الشغل؟
بخصوص سؤال الكيفية التي من خلالها تشتغل الجمعية من أجل تحقيق أهدافها، أعتقد أن المسألة تأخذ أبعادا منهجية وعملية حيث تتحقق الأهداف وفق رؤية “برمجاتية” أي استنادا إلى هندسة ميدانية تتبنى معطى التشخيص والبحث في الظاهرة وتداعياتها الاجتماعية والقانونية والأمنية أي أثر الظاهرة على حياة المفرج عنهم، وهي أهداف لا يمكن أن تتحقق من غير توفر هده الرؤية التشخيصية لحالات النزلاء والنزيلات أو الفئات التي تتعاطى للمخدرات والبرمجة هنا هي مسألة تشاركية مع جل الفاعلين في الحقول الاجتماعية والقانونية والاقتصادية التي تشتغل على المسألة بكيفية تسمح للجمعية بتبني أهداف نوعية تستهدف بشكل إجرائي الفئات وتحترم خصوصياتهم وتطلعاتهم التي غالبا ما تجتمع في معطى التحسيس والمواكبة والإدماج الاجتماعي والاقتصادي داخل النسيج الاجتماعي، كما أن الأهداف تتنوع بحسب المستفيد والمستفيدة من خدمات الجمعية فنرى منها الاجتماعية والنفسية والتي تهدف إلى تحسين وتجويد المستوى الذهني والنفسي للمستفيدين والمستفيدات، وهناك الأهداف القانونية التي تروم تسوية الملفات العالقة وحماية المسارات الإجرائية للجانحين مع تسهيل عمليات التسوية القانونية والتفكير في بدائل العدالة الاجتماعية لصالح هده الفئات، وهناك أهداف ترتبط ببعد الإدماج الاجتماعي والتمكين الاقتصادي والآخر له أبجدياته وطرقه في الاشتغال من أجل ولوجية سلسة إلى مجال العمل وتحقيق الذات.
هل تعتقد أن التكوين المهني يساعد بشكل فعال في إعادة إدماج السجناء؟
بخصوص التكوين المهني، فالمسألة صارت ضرورة ملحة، فبعد التجربة التي خاضها فريق العمل بمركز طب الإدمان وتقليل المخاطر تبين أن هناك نسبة كبيرة من الحالات تطالب بحل أو تعبر عن حاجة ماسة إلى إعادة الالتحاق بمراكز التكوين المهني، وهي حاجة جوهرية عبرت عنها الفئات المستفيدة من خلال ما خلصت إليه عمليات الاستماع والإنصات التي دأب عليها أخصائيون في مجالات تدخلهم (علماء اجتماع، أخصائيون في الطب العقلي والتحليل النفسي…) كل من زاويته ومنهجه التشخيصي لتتمكن الجمعية من توطين هذا المعطى والاشتغال عليه ضمن أهدافها النوعية.
في نظرك ما العوامل المشتركة التي تؤدي إلى الإدمان والجريمة وكيف يمكن التعامل مع هذه العوامل لتقليل نسبة الإدمان والجريمة؟
بخصوص العوامل، فهي تبقى متعددة الأبعاد فيها ما هو اجتماعي ينسب إلى الشروط الاجتماعية والبيئية والاقتصادية التي تنشأ فيها الظاهرة فنسبها ترتفع كلما اقتربنا من الهامش مشكلة نسبا مرتفعة نظرا لقلة المؤسسات التوجيهية والبنى التحتية الاجتماعية، بما فيها المرافق التي قد تساعد على احتواء الأفراد وتوجيه رغباتهم وميولتاهم بعدما تجعل منهم الظروف الأسرية والاقتصادية مشتلا لإعادة إنتاج الممارسات المنحرفة، التي قد تؤدي إلى مسار الإدمان أو الجريمة، والحل هو توسيع دائرة العمل في هذا المجال المسكوت عنه والتواصل مع الجهات المختصة من أجل بناء رؤية توافقية يساهم فيها الجميع كل حسب تخصصه.
ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لمحاربة الوصم الاجتماعي تجاه المعتقلين السابقين وتعزيز الوعي والتقبل لدى أفراد المجتمع بشأن هذه المسالة؟
الخطوات التي يمكن اتخادها لمعالجة مسألة الوصم الاجتماعي تجاه هذه الفئات تبدأ من خلال الاشتغال على الذات المسيجة أي تلك التي عانت من التجربة السجنية، محاولين تحسين ظروفهم الذهنية وبيئتها مع الظروف الجديدة من خلال أنشطة تحسيسية تستهدف حاجياتهم النفسية والاجتماعية كي يتجاوزوا هذه الحالة الذهنية وتلك الوضعية المشار إليها بالوصم وفق برامج وأنشطة نوعية تجعل منهم ذواتا متسامحة مع الذات ومنخرطة بكل وعي وتفاؤل في حياتهم الجديدة.
ما أبرز التحديات التي تواجهونها في تدريب ومساندة نزلاء الإصلاحيات؟
الجمعية لحد الساعة هي في طور البناء وبكل ما تستند إليه من طاقات نوعية ومبادرات جماعية وفردية فهي تنمو في شروط تجعل من عملها على مساندة هذه الفئات مطلبا محوريا من أجل تجاوز التحديات الاجتماعية والاقتصادية باعتبارهما العوائق التي قد تصادف كل عملية تهدف إلى إشراك ومساندة وإدماج نزلاء الاصلاحيات.
ما خطط الجمعية المستقبلية لتطوير وتحسين برامجها لفائدة الفئات المستهدفة؟
بخصوص الخطط المستقبلية فهي تتنوع من حيث المبدأ في تجديد مناهج الاشتغال وطرق التدخل في هذا المجال من خلال تطوير وتقوية القدرات المتدخلين/ت في هذا المجال مع تبني مقاربات جديدة تأخذ بعين الاعتبار معطى المجال والبيئة الاجتماعية كعوامل ترخي بظلالها على مسببات الظاهرة وعلى إمكانية احتوائها وإعطائها حياة جديدة.
أسماء إزووان
