صدر حديثا للأكاديمي محمد حركات، أستاذ بجامعة محمد الخامس وباحث دولي في مجال الاقتصاد السياسي والحكامة، كتاب جديد تحت عنوان “الوكيل القضائي للمملكة.. مشروع دعم بناء القدرات المؤسسية والاستراتيجية”.
ويتوخى هذا المؤلف تقديم مجموعة من الاقتراحات العملية والمهنية والسيناريوهات المحتملة الكفيلة بالارتقاء بالوكالة القضائية للمملكة إلى مؤسسة دستورية وذات فروع جهوية تغطي كل التراب الوطني على غرار بعض التجارب والنماذج الرائدة (حالة مصر وهيئة قضايا الدولة). وقد مهد البحث بالتعريف بالتطور التاريخي للمؤسسة، واختصاصات وتعدد وتعقد المهام الموكولة إليها على ضوء القانون المقارن والتجارب الدولية الفضلى في هذا المجال، بصفتها المدافع والممثل للدولة في شتى مجالات المنازعات القضائية.
وأوضح الكاتب في مقدمة الدراسة بعض المبادئ العامة التي تحكم حكامة المنازعات وفق المقاربات والمناهج العلمية والعملية الحديثة المعتمدة في تقييم المنظمات والمؤسسات المركبة، والتي تتوخى الوقوف على مختلف المخاطر المرتبطة بتدبير منازعات الدولة ومنظومة مراقبتها الداخلية، وتحديد مجموعة من الفرضيات في دراسة حكامة المنظمات، من أهمها الرؤية الاستراتيجية التشاركية والتنظيم والإعلام والتواصل والكفاءات والموارد المالية المتوفرة، فضلا عن منظومة تقييم السياسات العمومية والمخاطر والمساءلة ودراسات الأثر ومنظومة القيم الثقافية السائدة.
وقامت الدراسة المذكورة في قسم أول بتشخيص حالة الأمكنة بالنسبة لمؤسسة الوكيل القضائي، وبنيات تنظيمها، ومساطر اشتغالها، وحمولة المهام المنوطة بها، علاوة على تقديم نوعية القضايا الرائجة حولها، حسب نوعية النزاع، وكذا الموارد البشرية المتوفرة، والإنجازات، ونجاعة الأداء في مجالات التعويضات التي تتحملها الدولة، ومكافحة الجرائم المالية من خلال استرجاع الأموال العامة المختلسة، واسترجاع السكن الوظيفي، واسترداد مدفوعات الدولة من شركات التأمين.
كما أبرز الكتاب كلفة حكامة منازعات الدولة من خلال معالجة الأتعاب المؤداة للمحامين الشركاء، ومحدودية المنظومة الإعلامية والتكنولوجية المعتمدة في السيطرة على مخاطر تدبير المنازعات، مركزا بصفة خاصة على أهمية نشر الاجتهادات والقرارات القضائية في تعزيز الشفافية وتقاسم المعرفة في المجتمع.
وقدم المؤلف في القسم الثاني من الدراسة مجموعة من التوجهات والدعامات الاستراتيجية الكبرى الكفيلة بترسيخ قيم جديدة في الإبداع والابتكار والتميز في أعمال مؤسسة الوكيل القضائي للمملكة، المتمثلة أساسا في سبعة عناصر: أولها، تعزيز القدرات المؤسسية والاستراتيجية والبشرية للوكالة على ضوء المؤشرات الدولية والتطبيقات الجيدة، التي تحكم حكامة منازعات الدولة وتوصيات المنظمات الدولية حول دولة الحق والقانون وحقوق الإنسان والمؤسسات، وكذا المؤشرات الوطنية بالرجوع إلى مبادئ دستور 2011، والدستور المالي حول قوانين المالية (2015)، الذي ينص على تبني مبادئ نجاعة الأداء والنتائج في الإنجاز، والنموذج التنموي، والتنظيم القضائي الجديد للمملكة، وتقارير هيئات الحكامة.
ثانيها، وضع قانون أساسي خاص بأعضاء العاملين، وبلورة استراتيجية مندمجة ومحكمة في التحفيز والتكوين والتواصل والتعبئة والإشعاع.
وثالثها، تجويد بنيات التواصل الداخلي والخارجي للوكالة مع فضائها الإداري والقضائي، مع الحرص على تعزيز الوسائل البديلة في تسوية منازعات الدولة (الصلح والوساطة والتحكيم)، وهذا رهين بدعم التدقيق الاستراتيجي ونجاعة الأداء والتقييم المستمر لتدبير مخاطر المنازعات.
العنصر الرابع يتمثل، وفق المصدر ذاته، في بلورة استراتيجية مجددة في تقويم المخاطر التي تهدد المنظومة عبر تحديد ميكانيزمات الاشتغال المتعلقة بتدبير منازعات الدولة من خلال تعزيز التطبيقات الجيدة للإجراءات، وأدلة العمل والمراقبة الداخلية، ووضع بنيات لحماية وتأمين المواقع والعاملين ومصلحة الدولة بهدف تقييم المنجزات والتهديدات والفرص المتاحة لتجويد التدبير، والتركيز على ضرورة التفكير في هيكلة وتحديث منظومة منازعات الدولة لتجويد نجاعة الأداء.
والعنصر الخامس هو الحرص الدائم على احترام مبادئ المشروعية، ونجاعة الأداء لمنازعات الدولة لجعلها في صلب الحكامة الاستراتيجية للمؤسسة ولمختلف الشركاء والمتعاملين معها.
والعنصر السادس هو استثمار فضائل وثورة منظومة تقنيات الإعلام والتواصل والرقمنة في مختلف منازعات الدولة من خلال تعزيز وتعميم استعمالها، مع الحرص على تأمين مراقبتها الداخلية.
وأخيرا بلورة استراتيجية في التعاون الدولي وحكامة منازعات الدولة في مجال التحكيم التجاري الدولي من خلال تطوير الدبلوماسية القضائية من أجل خدمة الاستثمار، وهذا رهين بقيام مذهب أو عقيدة قضائية موثوقة، والعمل على تجويد التكوين واكتساب اللغات الأجنبية، لاسيما اللغة الإنجليزية، لدى ممثلي الوكالة في مجال التحكيم الدولي.