بين التراث الإسلامي والفنون الجميلة والإرث الحضاري المغربي بتعدد روافده، تحضر المملكة بمتاحف وأروقة في العاصمة القطرية الدوحة، ضمن معارض دائمة أو في إطار أخرى جديدة تنظم في سياق السنة الثقافية لعام 2024 التي تجمع المغرب وقطر.
فنون مغربية بمتاحف قطرية
مع لوحات من مختلف أنحاء الوطن العربي، تحضر أسماء تشكيلية مغربية بارزة، راحلة وحيّة؛ من بينها: فريد بلكاهية، محمد المليحي، أحمد الشرقاوي، محمد شبعة، ميلود لبيض، عبد الكبير ربيع، ولالة السيدي.
بالمتحف العربي للفن الحديث بالدوحة، يستقبل الزائرَ عملٌ للفنان يان بي مينغ يصوّر الأسرة الحاكمة القطرية، بالأسلوب نفسه الذي سبق أن رسم به الفنان، سابقا، أعلاما من قبيل الملك محمد الخامس، كما تستقبل شاشات العرض الرئيسية الزوار بعمل للرسامة الشعيبية طلال.

ويتركّز العمل الفني المغربي في معرض “دروس مختزلة” بالمتحف الذي يضم تجارب متعددة من المنطقة الناطقة باللغة العربية، ويقول:
“لقد أدرك الفنانون المعاصرون في المنطقة الممتدة بين غرب آسيا وشمال إفريقيا التجريد المتأصّل للغة العربية؛ نظرا لكونها بعيدة عن النزعات التصويرية أو التشخيصية، ولكونها نظاما بصريا يجمع أشكالا هندسية تختلف عن التركيبات المرئية المألوفة في أجزاء أخرى من العالم”، وهو ما “قادهم بشكل طبيعي إلى ما يعرف بالفن الإسلامي، وإلى دمج الجماليات التقليدية بإنتاجهم المعاصر”.
وعند الحديث عن الحرف العربي وكتاباته كان لا بد من تقديم قطع تاريخية مغربية؛ منها ما يعود إلى عهد الدولة المرينية بفاس في القرن الرابع عشر.

وفي معرض آخر اختار له عنوان “مدن تحت الحجر” تجربة مثيرة للانتباه تعرض كتبا وجّهت زمن “فيروس كورونا” لتوثيق تجارب وذكريات فنّانين من دول؛ من بينها المغرب، وفلسطين المحتلة، والإمارات العربية المتحدة، والجزائر، ومصر، ولبنان، والبحرين، وسوريا، والأردن.
أما مكتبة قطر الوطنية فيجد الناظر ضمن معرض مخطوطاتها ووثائقها ومجلّداتها شقا خاصا بالمرأة في المنطقة ذات الغالبية المسلمة؛ ومن بينهم مغربيات مطلع القرن العشرين، كما يقول: “من الأندلس ومنحنى نهر النيجر إلى أندونيسيا وغرب الصين، اعتنقت الشعوب الإسلام ومارسته بخصوصية سمات ثقافتها المختلفة. واحتضن هذا المجتمع الإسلامي العديد من الأقليات الدينية. لذلك، المرأة المنتمية للعالم الإسلامي قد تكون قبطية من مصر أو مسلمة من ألبانيا أو يهودية من المغرب. كلهن بمختلف مجتمعهن أو مرجعهن لعبن دورا مهما في تكوين المجتمع الإسلامي على مدار أربعة عشر قرنا من التاريخ”.
أما بمتحف الفنون الإسلامية بالدوحة، ففضلا عن المعرض الجديد حول الحلي المغربية الأمازيغية، يحضر المغرب ضمن مكونات الحضارة الإسلامية عبر التاريخ، مخطوطا قرآنيا وحرفا عربيا، ونقشا وعمرانا، كما تحضر زاوية المولى إدريس الثاني بفاس وزاوية أبي العباس السبتي بمراكش مثالين على العمران الإسلامي المغربي، إلى جانب معارض تركز على حضارات إسلامية؛ من بينها الفارسية والعثمانية والأندلسية.

سنة ثقافية غنية
“قدمت مبادرة الأعوام الثقافية، منذ عام 2012، مساهمات هائلة في سبيل تعزيز التعاون المثمر بين قطر وبقية الأمم، وتشجيع الحوار المتجذر في القيم الثقافية المشتركة”، وفق دليل السنة الثقافية، الذي يقول أيضا إن العام الثقافي الراهن الخاص بالمغرب وقطر قد “أعد أكثر من 80 فعالية تشمل مختلف المكونات الثقافية؛ مثل التنمية الاجتماعية، والتراث الثقافي، والصناعات الإبداعية، والابتكار”.
وتروم هذه الفعاليات، حسب المصدر نفسه، “إيقاد جذوة الاستكشاف وتعزيز التواصل بين شعوب الدولتين”، علما أن هذه “الشراكة مع المملكة المغربية في عام 2024 تمثل أول عام ثقافي تحتفل به قطر مع دولة إفريقية بشكل فردي”.
المغرب وقطر، اللذان تجمعهما علاقات دبلوماسية منذ سنة 1972، تعاونت دولتاهما منذ ذلك الإبّان “تعاونا ناجحا في مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك الأمن والقضاء والسياحة؛ مما أدى إلى نمو اقتصادي مشترك”. كما “أظهرت بطولة كأس العالم بقطر مدى متانة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وشكلت نقطة فارقة في العلاقات الثنائية طويلة الأمد بينهما”.

وفي تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، قالت غادة الخاطر، فنانة قطرية تشتغل على السنة الثقافية بين قطر والمغرب، إن هذا البرنامج، الذي “أطلقته متاحف قطر منذ أزيد من عشر سنوات”، قد اشترك مع المغرب في السنة الراهنة من أجل “التبادل الثقافي (…) الذي لا يتوقف على الفن فقط؛ بل يمتد إلى مجالات عديدة (…) وهدفه ربط الدولتين والفنانين وجميع الشركات والمنصات المتاحة”.
ومن بين المؤسسات المغربية التي تجمعها شراكات بنظيرتها القطرية في إطار السنة الثقافية التي تجمع البلدين المؤسسة الوطنية للمتاحف.
في هذا الإطار، قال لجريدة النهار عبد العزيز الإدريسي، مدير متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط، إن المؤسسة قد تولت “تنظيم المعرض الافتتاحي الذي يضم مجموعة من الحلي الفضية القروية، التي تنتمي إلى مجموعة القصر الملكي، وجلها موجود في المتحف الوطني للحلي بالأوداية في العاصمة، ووزعناها حسب جغرافية المغرب؛ بدءا من المناطق الجنوبية إلى غاية منطقة الريف”.

وتابع: “هي زيارة جغرافية، تبرز أيضا الاختلاف في صناعة الحلي لكل منطقة على حدة، من خلال المواد والتقنيات وأماكن التحلي بها، رأسا وصدرا وأطرافا. وبالمعرض حلي نادرة جدا، وارتباط بالصناعات الفضية بالمغرب على اختلاف أنماطها وأصنافها، كما يبرز اختلاف الجغرافية البشرية المغربية، من خلال حلي تحيل على موجات بشرية متعددة”.
وكشف الإدريسي لجريدة النهار معلومات حول المعرض الثاني الذي سينظم بالدوحة في الشهور المقبلة بإسهام مشترك للمؤسسة الوطنية للمتاحف ومتحف الفنون الإسلامية، قصد “تناول تاريخ الحضارة الإسلامية، من صدر الإسلام إلى الآن”.
وزاد: “هناك معرض ثالث سيتناول التشكيل الحديث في المغرب”، سيقام في إطار سلسلة معارض بمناسبة السنة الثقافية المغربية القطرية؛ من المبرمج تنظيمها تباعا في مراحل لاحقة من السنة الحالية.
ثم أردف المسؤول المغربي قائلا: “هذه السنة الثقافية تحتفي بالمغرب وبالثقافة والإبداع المغربيين بشكل عام، فلا بد إذن من إبراز كل الخصوصيات والجوانب الثقافية التي تمثل المغرب، مع تقديم جوانب مشتركة مع الأشقاء في قطر؛ لأن هذا المعرض ستزوره جاليات أخرى، فلا بد بالتالي من التركيز على القواسم المشتركة وإبرازها لما في ذلك من أهمية لاستقطاب زوار المعارض”.
