مصادر أمريكية: صعود نجل قديروف يثير القلق والسخرية في الشيشان

تعيش جمهورية الشيشان، الواقعة جنوب روسيا الاتحادية، مرحلة ترقّب مشوبة بالقلق، في ظل تكهنات متصاعدة بشأن الوضع الصحي لرئيسها رمضان قديروف، الحليف المقرب من الكرملين. بعد عقدين من السيطرة المطلقة التي مارسها في المنطقة، تطرح التطورات الأخيرة سؤالًا جوهريًا حول مستقبل السلطة في أحد أكثر أقاليم روسيا اضطرابًا في السابق، والذي عرف حروبًا دامية خلال تسعينيات وبداية الألفية.

ونقلت مصادر صحافية أمريكية أن رمضان قديروف، البالغ من العمر 48 عامًا، والذي طالما تمتع بهامش واسع من السلطة والدعم المالي غير المسبوق مقارنة بباقي قادة الأقاليم الروسية، لم يعد يظهر كما اعتاد الرأي العام. فبعد أن كان حاضرًا يوميًا في المناسبات ومواقع التواصل، أصبح ظهوره نادرًا ومقلقًا، وسط أنباء عن تدهور صحته وصدور فيديوهات تُظهره مترنّحًا أو يتحدث بصعوبة، مما عزز الشكوك حول حالته الصحية.

إعلان مصادر أمريكية: صعود نجل قديروف يثير القلق والسخرية في الشيشان

وأشارت صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أنه في ظل هذا الغياب، بدا أن قديروف يدفع بنجله آدم، البالغ من العمر 17 عامًا، إلى واجهة المشهد السياسي المحلي. فقد تم تعيينه مؤخرًا أمينا عاما لمجلس الأمن في الشيشان، وممثل الإقليم في وزارة الداخلية الروسية، كما حصل على أوسمة عسكرية، وأقيم له حفل زفاف فخم هنّأه عليه الرئيس فلاديمير بوتين شخصيًا. غير أن توليه أي منصب رسمي على مستوى رئاسة الإقليم يتطلب تجاوز عائق قانوني يتمثل في اشتراط بلوغ 30 عامًا.

ورغم أن قديروف نفسه وصل إلى السلطة فعليًا في سن مبكرة بدعم من الكرملين، فإن تسليم السلطة وفق مصادر أمريكية لابنه يثير السخرية والقلق في آن، خصوصًا بين سكان الإقليم، الذين يرون في المشهد عبثًا سياسيا، ويخشون من مستقبل مجهول، خصوصًا إذا تدهورت صحة الزعيم بشكل مفاجئ.

في المقابل، تُطرح أسماء أخرى كمرشحين محتملين لخلافته، أبرزهم ماغوميد داودوف، رئيس حكومة الشيشان، المعروف بدوره المثير للجدل في حملة ضد المثليين عام 2017، وأفتي علاودينوف، القائد العسكري الذي نال شعبية واسعة بعد مشاركته في الحرب بأوكرانيا، والتي أصبحت عامل ترجيح مؤثرًا في المشهد السياسي الروسي الحالي.

وأضافت المصادر ذاتها أن الوضع في الشيشان يتجاوز البعد المحلي. فمنذ أن تولّى قديروف الحكم عقب اغتيال والده أحمد قديروف عام 2004، حوّل الإقليم إلى ما يشبه إقطاعية خاصة، إذ تم إسكات كل معارضة، وقُمعت الحقوق والحريات مقابل ضخّ مالي سخي من موسكو. وتشير تقارير إعلامية إلى أن الشيشان تتلقى سنويًا ما يقارب 700 مليون دولار من الحكومة الروسية، وهو رقم يتجاوز بكثير مخصصات أقاليم أخرى، حتى تلك المتضررة مباشرة من الحرب مثل كورسك.

وتؤكد المصادر الأمريكية أن هذه الأموال تستخدم، من بين أمور أخرى، في تمويل قوات شبه عسكرية تصل إلى 25 ألف عنصر، يُنظر إليها كجيش خاص تحت إمرة قديروف، رغم ارتباطها الرسمي بالأجهزة الأمنية الروسية. وهذا النموذج “النقد مقابل الولاء” قد يستمر بعد رحيله ما دامت الحكومة المركزية قادرة على تغذية هذا النظام.

لكن على الأرض، تضيف المصادر ذاتها، تسود حالة من الغموض والترقب. فرغم خفوت صوت السلطة في الإعلام وتراجع التهديدات العلنية ضد المعارضين، فإن القلق يخيّم على السكان، كما عبّر عن ذلك أحد سكان غروزني، قائلاً إن الناس يتحدثون عن مرض قديروف “بهمس وتوجّس” بين من يشعر بالشفقة عليه ومن يتوجس مما قد يحدث بعد غيابه.

وخلصت المصادر الأمريكية إلى أن الشيشان، التي كانت سنوات بؤرة توتر ملتهبة في روسيا، تقترب من منعطف جديد. وإذا كانت قبضة قديروف قد فرضت الاستقرار بثمن باهظ من الحقوق والحريات، فإن المرحلة المقبلة ستختبر قدرة الكرملين على الحفاظ على ذلك التوازن الهش وسط تحولات إقليمية ودولية متسارعة، وشكوك متزايدة حول مستقبل السلطة في أحد أكثر ملفات روسيا حساسية.

زر الذهاب إلى الأعلى