لم يدم انخفاض انبعاثات الدخان الكثيف الصادر من المحطة الحرارية بالقنيطرة طويلا، لتملأ سماء المدينة وتلوث أسطح المنازل وواجهات البنايات والسيارات بشكل مستفحل، لاسيما وطقس عاصمة الغرب يشهد انخفاضا كبيرا في درجات الحرارة ما انعكس على جودة حياة السكان وسبب قلقا متزايدا في صفوف المناهضين لظاهرة الغبار الأسود الخطير على البيئة وصحة المواطنين.
وعاينت “الصحراء المغربية” انتشار كميات كبيرة من الغبار الأسود في عدد من أسطح الإقامات السكنية وحتى داخل البيوت، حيث اتخذ شكل حفنات من الأتربة داكنة اللون، وغطى الملابس والأثاث وجعل المواطنين يتحملون عناء تنظيف منازلهم عدة مرات في اليوم للتخلص من الغبار العالق فيها، مما أثار امتعاضهم من عودة هذه الظاهرة من جديد بعدما تنفسوا الصعداء لأسابيع قليلة، معتقدين أن المعمل المسبب لهذا الغبار قد أوقف أنشطته، وهو ما نفاه المتتبعون للشأن البيئي بمدينة القنيطرة.
وفي هذا الصدد، أوضح أيوب كرير، رئيس جمعية أكسجين للبيئة والصحة، أن ما عاينه القنيطريون من انخفاض في حجم انبعاثات الدخان الكثيف خلال الفترة الماضية يتعلق بإجراء اعتيد اتخاذه بالمنطقة الصناعية للساكنية تزامنا والزخم الإعلامي الوطني والدولي الذي تناول قضية الغبار الأسود والتغطية الإعلامية التي حظيت بها العريضة الإلكترونية المناهضة للظاهرة، فضلا عن حلول لجنة لمعاينة الوضع بالمنطقة المذكورة مما جعل المعمل يخفض من استعماله للوقود الملوث ريثما تهدأ الأوضاع، وفقا لتصريحه لـ”الصحراء المغربية”.
وأكد رئيس الجمعية أن التلوث البيئي الناجم عن الغبار الأسود زادت حدته بشكل كبير في الآونة الأخيرة نظرا للطلب المتزايد على الكهرباء ما اضطر المحطة الحرارية للرفع من إنتاجها لتلبية الحاجيات الوطنية من الكهرباء، موضحا أن الأتربة السوداء الصادرة عن هذه المحطة تجتاح مناطق شاسعة من القنيطرة وبأحجام مختلفة خاصة بالليل والصباح الباكر حيث “لم نعد نرى حبيبات وإنما حفنات من الرمال الداكنة اللون” وفقا لتعبيره.
وأبرز المتحدث ذاته أن لقاء جمع أخيرا “لجنة من أجل القنيطرة” وعامل الإقليم، وتم إطلاعه على أهداف العريضة الإلكترونية المناهضة لظاهرة الغبار الأسود والموقعة من قبل أزيد من 6 آلاف شخص، وأصغى لمطالب حماة البيئة ومقترحاتهم ووعد بالتدخل والمشاركة من موقعه في إيجاد حلول كفيلة بمواجهة هذه الظاهرة، مشيرا إلى أن اللجنة لازالت تنتظر من العامل الوفاء بوعوده وبلورتها على أرض الواقع لأن الوضع البيئي بالقنيطرة لا يتحمل الانتظار ويحتاج تدخلا عاجلا لحماية صحة المواطنين من الخطر الذي يهددهم.
وفي هذا السياق، أوضح كرير أن اللجنة سالفة الذكر أخذت المبادرة وأخضعت عينات من الغبار الأسود للتحليل بأحد المختبرات الدولية، وتنتظر التوصل بتقرير علمي عن ماهية هذا الغبار ونوعه وأضراره على صحة وسلامة المواطنين وعلى البيئة المحيطة بهم، وإعلام الرأي العام المحلي والوطني بنتائج الاختبار، مشيرا إلى أن مواجهة ظاهرة الغبار الأسود تستدعي تضافر جهود كافة الفاعلين والمدبرين للشأن البيئي وعلى رأسهم الجهات المسؤولة والمؤسسات الرسمية، وعقد شراكات مع المعاهد العلمية الوطنية، على سبيل المثال جامعة ابن طفيل التي تتوفر على مختبرات علمية وباحثين على أعلى مستوى حيث من الممكن الاستفادة من خبراتهم لإيجاد حلول جذرية لهذه الظاهرة.
ولفت الخبير البيئي في تصريحه لـ”الصحراء المغربية” إلى أن من بين المقترحات التي يقدمها حماة البيئة بالقنيطرة للتخفيف من انعكاسات تناثر الغبار الأسود على صحة المواطنين، وضع أجهزة لكشف جودة الهواء في المناطق التي تشهد تركيزا لهذا الغبار مصحوبة بشاشات تشير إلى نسبة التلوث في حينه من أجل إعلام السكان وأخذ الحيطة والحذر على غرار الدول المتقدمة، مشيرا إلى أن هذا الأمر لا يحتاج استثمارا كبيرا بل تحرك المنتخبين وخروجهم من السبات العميق، حسب قوله، وامتلاك الإرادة القوية لتغيير أوضاع المواطنين وحماية بيئتهم.
أسماء إزواون
