بعنوان “عِشتُ ثلاثمائة سنة”، صدرت حديثا رواية تاريخية للمؤرّخ والأكاديمي محمد حبيدة عن منشورات باب الحكمة في تطوان.
هذا العمل السّردي الأول لحبيدة “رواية تاريخية” تأخذ القارئ في رحلة إلى “عوالم وأزمنة أخرى قبل البنيات الحديثة المرتبطة بمتغيرات القرن العشرين، بنظرة تزاوج بين الواقع والتخييل”، وتحكي قصة “رجل ورّاق عاش في القرن الثامن عشر، وسافر بين مدن سلا ومكناس ومراكش بحثا عن حياة أفضل”.
هذا الورّاق الذي عاش بالمغرب كانت أفكاره “سابقة لعصره”، في “تفاوت بين فكره والواقع المعاش جعله يصطدم بمجتمعه، وتسبَّب له في الكثير من المتاعب”.
وبين ثنايا هذا العمل الأدبي “حكايات أخرى لرجال ونساء التقى بهم هذا الورَّاق المدعو شاهين”، ومشاهد أخرى “تحمل إحساسات وسلوكات مثيرة بالقياس إلى سياقاتٍ ظلت عصيّة على التغيير، وتحبل بها الرواية”.
ووفق حبيدة، فإن هذه الرواية تمثل “طريقة لكتابة التاريخ بالأدب”؛ ذلك أن “السرد الأدبي، بتعبيراته واستعاراته وتحرره من إكراهات السند والضبط المفاهيمي، يتيح في أحيان كثيرة ما لا تمكِّنه الأعمال الأكاديمية من حيث فهم الحالات البشرية والإحساسات والمواقف وتقمصها وتمثلها”.
ومن بين ما يُقرأ في الرواية: “نبذني الجميع إلا عبد العليم النَّفاف. لم يتغير موقفه مني… يبدو مطموس السيرة. فاقدا لكل فكرة. رجل قانع بنصيبه النحيل من الدنيا، وديع الخُلُق، كثير الحياء، قليل الكلام… يلبس جلبابا من صوف خشن أسود ولا يزيله أبدا. شتاء وصيفا. يتعشى يوما ويدع يوما. لكن شخصيته خفية. توحي بشيء غير معلوم.”
ويتابع المقطع: “ما يكسبه يتصدق بنصفه على حفاري القبور، وفي أيام الجمعة والأعياد يختفي تماما ولا يترك أثرا حتى نسج الناس حوله كرامة السفريات وطيّ المسافات. كان قد قدم إلى مراكش من القيروان، ولا أحد يعلم إن كانت وراءه قصة من قصص الحياة التي لا تخطر على بال، من حين لآخر كان يطل علي، ويكلّمني من عتبة الباب قليلا، ثم ينصرف إلى حانوته. حادثني مرة، فقال: الفهم الوفير يجلب البلاء الكبير! هذه الدنيا لا منطق لها”!.
يذكر أن محمد حبيدة أستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، ويهتم بالتاريخ الاجتماعي والأنثروبولوجيا، والتاريخ الأوروبي، ومناهج وراهن البحث التاريخي بالمغرب والعالم العربي.
