اختتم مؤتمر تاريخ الطب، أمس الأربعاء، المنعقد تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمدينة فاس، في نسخته الحادية عشرة، حول موضوع تاريخ التعليم الطبي.
واختارت لجنة التراث بكلية الطب والصيدلة وطب الأسنان (جامعة سيدي محمد بن عبد الله)، جمهورية الصين الشعبية ضيفا للشرف في هذه النسخة التي تستمر على مدى أربعة أيام، وتعرف مشاركة باحثين ومتخصصين في مهنة الطب من مختلف القارات.
وقدمت خلال حفل افتتاح المؤتمر محاضرة افتتاحية قام بإلقائها أمل جلال، رئيس جامعة القرويين والرئيس السابق لجامعة سيدي محمد بن عبد الله، تناولت موضوع “تدريس الطب بجامعة القرويين”، شكلت فرصة لعرض مسار تأسيس الجامعة والتعرج على أبرز المحطات التي ساهمت في تطور هذا الصرح العلمي على مر التاريخ وخصوصا تقديم أول شهادة علمية في مجال الطب في العالم لعبد الله كتاني.
وعرف حفل الافتتاح تسليم درع الشيخ صالح صيرفي لأفضل إصدار طبي عربي إسلامي لمؤلف ‘الشذور الذهبية في الـألفاظ الطبية’، تكريما له وتشجيعا على هذا الانجاز.
وجرى كذلك الإعلان وتسليم جائزة الإبداع في التراث الطبي العربي الإسلامي، وقد فاز بالمرتبة الأولى الطالب يوسف تغتيت (5000 درهم)، والمرتبة الثانية الطالبة نجلاء زوبع (3000 درهم)، والمرتبة الثالثة الطالبة هند حنيني (2000 درهم)، قدموا إبداعات تشكيلية.
واختارت الجائزة التي تأتي في إطار الأنشطة العلمية والثقافية، التي تحتضنها كلية الطب والصيدلة وطب الأسنان بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، “12 قرنا على تأسيس جامع القرويين: المسجد والجامعة”، موضوعا رئيسيا لها، وتبلغ القيمة الإجمالية للجائزة 10 آلاف درهم.
وتروم الجائزة التي تنظمها لجنة التراث بكلية الطب والصيدلة وطب الأسنان بفاس بشراكة مع كرسي الشيخ صالح صيرفي بجامعة أم القرى(السعودية)، إلى تسليط الضوء على الماضي المشرق لجامع القرويين من خلال تقديم إبداعات فنية متنوعة حول الموضوع.
كما شهد المؤتمر تكريم مجموعة من الوجوه التي قدمت إسهامات في مجال العلوم وخاصة في الحقل الطبي، وتكريم البطل المغربي والعداء العالمي سفيان البقالي الذي كان مرفوقا بمدربه كريم التلمساني وأفراد من أسرته.
وقال المصطفى اجاعلي، رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس في كلمة له، إن المؤتمر يأتي ضمن سلسلة من المؤتمرات المميزة التي أشرفت عليها لجنة التراث بكلية الطب والصيدلة وطب الأسنان بفاس والتي نالت في أربع نسخ منها شرف الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
ويعتبر بحسب المصدر التعليم الطبي من أهم الموضوعات التي عرفت تغيرات وتحولات عميقة في العقود الأخيرة، فقد شكلت المعرفة والتعلم وأسس التحصيل والإدراك منذ وقت مضى لبنة أساس من لبنات تقدم المجتمعات ورقيها، وقد دفع ذلك عالم الاجتماع عبد الرحمان بن خلدون إلى تخصيص حيز بالغ الأهمية من كتابه ‘المقدمة’ إلى المسألة التعليمية ووظائفها، انطلاقا من اعتبار أن العلم والتعلم طبيعي في العمران البشري.
وأبرزت كريمة يثربي، مديرة معهد كونوفوشيوس بالرباط الذي يعتى باللغة الصينية ونشر الثقافة الصينية، أهمية المؤتمر إذ يتميز باستضافة الصين وتم بالمناسبة تنظيم معرض للتاريخ الطبي الصيني وتقديم معزوفات موسيقية، بالإضافة إلى حضور بعثة طبية صينية من المحمدية لفاس لتقديم أنواع من العلاج الطبي مثل الوخز بالإبر والتدليك.
وأكد البشير بنجلون، عن اللجنة التنظيمية ولجنة التراث، أن النسخة الحالية تتميز بثلاث مستجدات: بداية من هذه النسخة سيتم اختيار بلد ليكون ضيف شرف المؤتمر وهو ما سيعطي الحضور والطلبة فرصة اكتشاف معارف وثقافات أخرى، والثاني يتعلق باختيار كتاب العام أو أفضل إصدار طبي عربي إسلامي وتسليم درع الشيخ صالح صيرفي لمؤلفه تكريما له وتشجيعا على هذا الانجاز، والثالث يتعلق بإطلاق العنان لمواهب طلبة جامعة سيدي محمد بن عبد الله للإبداع الفني في مجال التراث الطبي العربي الإسلامي.
وتشكل النسخة الحالية من المؤتمر فرصة لمناقشة مواضيع مختلفة يذكر منها: مناهج العلم والتعليم في الحضارة الإسلامية، ومؤسسات العلم والتعليم في الحضارة الإسلامية، والتعليم الطبي وآدابه في العصور القديمة، والتعليم الطبي في المدارس الطبية الأولى في أوربا وأمريكا، وجامعة القرويين وتدريس الطب.
كما سيسلط المؤتمر الضوء على مواضيع أخرى تهم التعليم الطبي في الحضارة الإسلامية، والتعليم الطبي في العصر الحديث والمعاصر، والمراجع المعتمدة في تدريس الطب، والإصلاحات البيداغوجية الكبرى في تاريخ الطب، والمدارس الطبية ومذاهبها عبر التاريخ، والإمتحانات والشواهد الطبية عبر التاريخ، فضلا عن تنظيم مائدة مستديرة ستتناول موضوع: ‘التدريس الطبي بين الماضي والحاضر.
وسينكب المشاركون في المؤتمر على مقاربة أسس ومناهج التعليم بصفة عامة، وطرق التحصيل المعرفي الطبي بصفة خاصة. وما لازم تلك الأسس مجتمعة من تطورات بيداغوجية.
كما يشكل المؤتمر ملتقى للباحثين والدارسين والمهتمين من جميع أنحاء العالم، لتبادل الرأي والخبرات حول التعليم الطبي عبر التاريخ بدءا من الحضارات القديمة (الصينية، الهندية، الإغريقية…) مرورا بالحضارة العربية الإسلامية، والانتقال بعد ذلك إلى ظهور كليات الطب الحديثة في أوربا، وانتهاء بالأساليب البيداغوجية المعاصرة.
وتجمع النسخة الحالية بين العلم والمعرفة والفن والتراث، إذ يصادف المؤتمر ذكرى مرور 12 قرنا على تأسيس جامعة القرويين سنة 859 م، وبالتالي فهي مناسبة لإبراز هذا الصرح الأكاديمي في تدريس الطب.
محمد الزغاري
