اقتصاد المغرب يتجاوز “محنة الجائحة” ويواجه تحديات التقلبات المناخية

اقتصاد المغرب يتجاوز
حجم الخط:

في عام شهِدَ استمرار وتزايد المخاطر الجيوسياسية، بعد أن انضاف الصراع في الشرق الأوسط انطلاقا من غزة إلى الحرب الروسية-الأوكرانية، يبدو المشهد الاقتصادي في 2023 التي “تلفظ آخر أيّـامها” جديراً بوضعه تحت مجهر التحليل والدراسة المتأنّية.

تبدو آفاق النمو الاقتصادي “واعدة” سنة 2024، لأنها تبدو متجاوِزة “زمن الجائحة”، إلا أنها، بالمقابل، تظل مرتَـهِنة أيضا بقوة، كالسنة التي سبقتْها، بخطر تداعيات تمدد النزاعات المسلحة، موسومةً بـ”احتداد دورات الجفاف والإجهاد المائي، وباقي التغيرات المناخية”. هذا فضلا عن تحديات كثيرة تواجه تعبئة الهوامش المالية واستدامتها لتمويل أوراش سوسيو-اقتصادية، أبرزها الشق المتعلق بالدعم الاجتماعي في ورش الحماية الاجتماعية.

جريدة جريدة النهار الإلكترونية تعيد رسم أبرز بصمات الحصيلة الاقتصادية للعام 2023 الذي يلفظ آخر أيامه، في شقها الاقتصادي المشكِّل لـ”عصب” الحياة العامة في الدول وسياساتها، مؤثرا بذلك في مواطنيها ومعيشهم اليومي. كما سنحاول استشراف ملامح العام الجديد مع ثلاثة خبراء/محللين متخصصين في الشأن الاقتصادي استطلعت الجريدة آراءهم.

أزيرار: “صلابة اقتصادية يُهدِّدها الجفاف”

أحمد أزيرار، خبير اقتصادي وعضو مؤسِّس للمعهد المغربي للذكاء الإستراتيجي (IMIS)، سجل ضمن قراءته للحصيلة الاقتصادية لـعام 2023 أن “السنة المنتهية كانت سنة نمو ضعيف للإنتاج القومي (الناتج الوطني الإجمالي)، وذلك على الخصوص تحت تأثير القطاع الفلاحي الذي عانى من سنة جفاف جديدة، فيما القطاع الصناعي من جهته يواصل تعافيه، خصوصا قطاعي صناعات السيارات والفوسفاط؛ أما السياحة فعرفت انتعاشا قويا لجميع مؤشراتها”.

المؤشر الثاني، وفق إفادات تحليلية قدمها أزيرار لجريدة جريدة النهار، هو “التضخم الذي وإنْ انخفضت حدّته مازال مرتفعاً وقد يطول مؤثراً سلباً على القدرة الشرائية لعدد كبير من المغاربة”، وزاد شارحا: “الإيجابي هو أن الانتقال الاجتماعي سائر بتعميم التغطية والدعم المباشر ودعم السكن، وكذا دعم المتضررين من زلزال الحوز”.

المؤشر الثالث الذي عدده الأكاديمي الاقتصادي نفسه هو “التوازن المالي الخارجي الذي مازال وَقْعُ العجز التجاري قوياً عليه، وكذا المديونية السائرة في الارتفاع نسبياً”.

وفي سرده لـ”المؤشر الأكثر سلباً”، قال الأستاذ السابق بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات (ISCAE) إنه يتمثل في “البطالة المرتفعة وعدم قدرة الاقتصاد الوطني على خلق مناصب شغل كافية لتشغيل الأعداد المتوافدة على سوق الشغل”.

وعلى العموم، يختم الرئيس المؤسس للجمعية المغربية لاقتصاديّي المقاولة، مُلخِّصاً: “في المجمل، وإنْ أبان الاقتصاد المغربي عن صلابة وتنوع وقدرة على استقطاب المزيد من الاستثمارات الخارجية، إلا أن مشكل الجفاف وندرة المياه يعد عائقاً كبيرا سوف يكلف الكثير من المصاريف لتسريع الانتقال الطاقي، وتنويع مصادر المياه وإصلاح نظُم الري الفلاحي”.

ساري: “سنة متوسطة بسياق حذِر جداً”

رشيد ساري، المحلل الاقتصادي رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، لفت الانتباه إلى أن الأداء العام للاقتصاد المغربي يظل في جزء كبيـر منه مرهوناً بنتائج أنشطة القطاع الاقتصادي الأول؛ أي الفلاحة وما يتصل بها، بعدما سجلت رسميا قيمة مضافة فلاحية بـ5.5 في المائة، وزاد معلقا لجريدة النهار: “يمكن القول إنها سنة متوسطة”، بالنظر إلى تحقيق نسبتي 32 و34 في المائة على التوالي خلال السنتين الماضيتين في ما يخص إنتاج الحبوب البالغ متوسطه 55 مليون قنطار للحبوب في موسم 2023.

وسجل ساري أهمية “تدقيق ومراجعة معايير الإنتاج بحكم جدوى مقارنة المحصول مع سنة جفاف قاسية أو سنوات عادية”، قبل أن يثير “مشكل ارتفاع المدخلات الفلاحية المؤثِّرة بقوة في الأثمان الاستهلاكية للمنتجات”، التي قال إنها لن تنخفض لمجموعة أسباب أبرزها “استمرار شحّ المياه مع تفعيل جرس الإنذار من بلوغ الوضعية المائية وضعاً خطيرا”.

تبعا لذلك، قال المحلل ذاته إن “مشكل الجفاف بالمغرب تأكد أنه هيكلي وليس دورياً”، محذرا من خطر العيش في ظل “التضخم الفلاحي المستدام”، وتابع شارحا: “هناك انتقال من دورات في المناخ بعد أن صرنا في نطاق المناخ الجاف وليس شبه الجاف فقط”، قبل أن يدعو إلى “تفعيل تسريع مخطط إستراتيجي مائي متكامل بين مياه الشرب والسقي (مشاريع التحلية والمعالجة والسدود) قد يكلف 142 مليار درهم”.

وعن قطاع الصناعات، سجل ساري بإيجابية دينامية “قطاع صناعة السيارات”، متوقعا أن تتجاوَزَ 100 مليار درهم متمَّ 2023، ومضيفا إليها “التجارة والخدمات” المستمرة في منحى مؤشرات إيجابية؛ خاصة في قطاع السياحة الذي قال إنه يعرف “طفرة كبيرة؛ إذ تجاوزنا بالمغرب أرقام وتوقعات المنظمة العالية للسياحة.. كما تجاوزنا توقعات سنة المرجع 2019″؛ وفسر ذلك بـ”عوامل موضوعية وذاتية أبرزها البرامج التي أخذتها الدولة على عاتقها، كخارطة الطريق السياحية، وحملات تواصلية كبرى، مع عامل الرقمنة والإشعاع الدولي لصورة المملكة”.

2024 تُطل بـ”إكراهات”

السنة القادمة تطل بـ”إكراهات عديدة تثير المخاوف”، حسب الخبير الاقتصادي نفسه الذي توقع أن يشهد “ثمن مبيعات الفوسفاط انخفاضا قد يناهز 30 في المائة”، مع تقلبات متضاربة “قد ترفَع سعر برميل النفط إلى نطاق 100-150 دولارا”، مفسرا ذلك بـ”استمرار عرقلة الملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب مع مخاوف من انتقال الأمر إلى مياه المتوسط”.

كما أثار ساري في قراءته للآفاق الاقتصادية المحتملة “إشكالات التوريد بالسلاسل العالمية للإنتاج والتوزيع متأثرة باضطرابات جيوسياسية، ما قد يُحيي ‘شبح التضخم’؛ رغم أن توقعات حصره في 2.4 في المائة في 2024 تجعلنا متفائلين حسب المعلن رسمياً من طرف الحكومة”.

واستخلص المتحدث معلقا: “هو سياق اقتصادي حذِر جدّاً لأننا أمام مجموعة إكراهات”، معددا أبرزها في “إنجاح الدعم الاجتماعي المباشر الذي انطلق نهاية السنة ويتطلب ميزانيات لاستدامته طيلة الأعوام القادمة، مع استكمال إعمار وتأهيل المناطق المنكوبة من زلزال شتنبر 2023 وتمويل دعم اقتناء السكن… وكل هذا يتطلب تمويل الأوراش وتعبئة الهوامش المالية من موارد غير تقليدية بالضرورة”، وفق تعبيره.
الأزرق: مؤشرات “مستقرة” بنكهة إيجابية

بدر الزاهر الأزرق، باحث في الاقتصاد وقانون الأعمال، وَسَم الحصيلة الاقتصادية لسنة 2023 بـ”المستقرة”؛ بالنظر إلى “الأزمات المتعاقبة على الاقتصاد المغربي، خاصة ذات الارتباطات الخارجية، ما جعل اضطرابات سلاسل التوريد وضغوط التضخم العالمي ترخي بظلالها، ناهيك عن الآثار المرَحَّلة من فترة كوفيد إلى سنة 2023 (خاصة بالنسبة للمقاولات الصغرى والصغيرة جدا)”، معتبرا أن “أزمة التضخم المستمرة زادت من تعميق معاناة عدد من القطاعات”.

كما رصد الخبير الاقتصادي نفسه، في حديثه لجريدة النهار، “تذبُذب نسب النمو في الفصول الأربعة للسنة المالية 2023؛ فبعد الاستبشار خيرا بما كان مستهل العام، عاد النمو ليتباطأ مـتأثرا بوضوح بسياق داخلي يبصِمُه حضور قوي للمشهد الفلاحي (محصول من ضعيف إلى متوسط)”.

كما لفت الأزرق إلى أن “الطلب الداخلي والقدرة الشرائية للمواطنين تأثرَا بقوة بما اعتمَل داخل القطاع الفلاحي في سياق تضخّمي لسعر المُدخلات”، قبل أن يخلص إلى أن “نسب النمو وأغلب المؤشرات الماكرو-اقتصادية ظلت –إجمالاً- وفيّة للتوقعات والفرضيات الموضوعة ارتباطاً بظرفية خارجية”.

وتابع المحلل ذاته: “سنة 2023 لم تحمِل مفاجآت غير سارة ما عَدا ‘زلزال الحوز’ الذي لم يكن له وقع كبير اقتصادياً واستمرت مؤشرات كبرى اقتصادية بالمغرب في إظهار الاستقرار مع الصمود والمرونة؛ وهو ما يمكن اعتباره إيجابياً”.

قراءات مفتوحة مع “ترجيح التفاؤل”

“تراجع معدلات التضخم جعل متابعي الشأن الاقتصادي بالمغرب وخارجه يُرجّحون أن 2024 ستكون سنة إقلاع اقتصادي، مع تعزيز الطلب الداخلي والخارجي وارتفاع نسبة النمو تدريجيا”، يُلاحظ بدر الزاهر الأزرق، مفيدا بأن “قراءات متعددة ومفتوحة تسِمُ قراءة فنجان 2024 اقتصاديا؛ مع ترجيح التفاؤل بتزامن خروج تدريجي وبطيء من سياق الأزمة التي عاشَها الاقتصادان الوطني والعالمي (من 2021 إلى 2023)، لأن زيادات الأجور (عبر مراجعة الضريبة على الدخل والاتفاقات القطاعية) قد تحتوي آثارا متوقعة لسحب تدريجي لدعم المقاصة، مع تعزيز السلم الاجتماعي الذي يشكل مؤشر جذب استثماري مهم للمملكة”؛ وحذر من أن “عدم وضوح الآفاق أو تأخر الإصلاحات المرتقبة اجتماعيا وضريبياً، مع تهديد استدامة تمويل الأوراش الاجتماعية، قد يؤدي إلى الدخول في دورة تضخمية داخلية”.