
سباق الهيمنة .. أبعاد وتداعيات الخطة الأمريكية الجديدة للذكاء الاصطناعي
أفاد “مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة” بأن البيت الأبيض أصدر في 23 يوليو 2025 وثيقة بعنوان “الفوز في سباق الذكاء الاصطناعي: خطة عمل الذكاء الاصطناعي الأمريكية”، تنفيذًا للأمر التنفيذي الذي وقّعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يناير الماضي بهدف إزالة العوائق التي تعترض الريادة الأمريكية في هذا القطاع.
وتأتي هذه الخطة في سياق تنافس عالمي متصاعد، خصوصًا مع الصين التي تستثمر بكثافة في الذكاء الاصطناعي لتعزيز نفوذها التكنولوجي والعسكري، حيث حددت الإدارة الأمريكية أكثر من 90 إجراءً فدراليًا يتم تنفيذها وفق مسار استراتيجي يسعى لتسريع الابتكار، وتشييد بنية تحتية قوية، وضمان استمرار التفوق الأمريكي في المعايير والتقنيات على الساحة الدولية.
الخطة، التي تصف المرحلة المقبلة بـ”العصر الذهبي الجديد لازدهار الإنسان”، ترتكز على مجموعة من الأهداف، أبرزها إطلاق العنان للإبداع من خلال إزالة القيود التنظيمية الداعمة للبيروقراطية، ودعم النماذج مفتوحة المصدر لإتاحتها مجانًا للتنزيل والتعديل، وتمكين القوى العاملة من المهارات اللازمة للتعامل مع هذه التكنولوجيا، وتسريع دمج أنظمة الذكاء الاصطناعي في القطاعين الحكومي والدفاعي، مع حماية الابتكارات من القرصنة أو الاستغلال، وضمان حيادية النماذج وخلوها من التحيز الأيديولوجي.
وفي البنية التحتية، تركز الخطة على تصنيع أشباه الموصلات محليًا، وتبسيط إجراءات إنشاء مصانعها، وتطوير شبكة كهرباء متقدمة لتلبية الطلب المرتفع لمراكز البيانات، وإنشاء مراكز عالية الأمان للاستخدام العسكري والاستخباراتي، إضافة إلى تعزيز الأمن السيبراني للبنية التحتية الحيوية.
أما على الصعيد الدولي، فتسعى واشنطن، بحسب ما ورد في تقرير مركز المستقبل، إلى وضع معايير عالمية للذكاء الاصطناعي تتماشى مع القيم الأمريكية، وتصدير التقنيات إلى الحلفاء والشركاء مع منع الخصوم من الوصول إليها، في نهج يعكس ما يسميه المراقبون بـ”قومية الذكاء الاصطناعي” التي تندرج ضمن شعار “أمريكا أولًا”.
وتهدف هذه المقاربة إلى حشد المعسكر الديمقراطي خلف التكنولوجيا الأمريكية، لكنها، في الوقت ذاته، تتجنب الانخراط الكامل في تصميم حوكمة مشتركة مع الحلفاء، ما يجعل بعضهم ينظر إليها كاستراتيجية أحادية الجانب تخدم السوق الأمريكية أولًا.
ويشير المركز إلى أن الخطة، إذا نُفذت بكامل طموحاتها، ستؤدي إلى تعزيز النمو الاقتصادي وخلق وظائف جديدة في قطاعات التكنولوجيا والطاقة والصناعة، فضلًا عن تحفيز الابتكار في الرعاية الصحية والتعليم والاستجابة للكوارث.
لكن الانتقادات الموجهة إليها لا تغيب، إذ يحذر خبراء من غياب تفاصيل تنفيذية واضحة، ومن اتساع الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والنامية، خاصة في ظل غياب آليات لتوفير التكنولوجيا الأمريكية بأسعار مناسبة للأسواق النامية التي تسعى الصين إلى اختراقها.
كما تثار مخاوف بيئية بسبب الضغط الكبير المتوقع على شبكات الكهرباء، إذ تستهلك مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي أكثر من 4% من الكهرباء في الولايات المتحدة، يأتي معظمها من مصادر غير متجددة.
ويخلص التقرير إلى أن الخطة تمثل فرصة استراتيجية لترسيخ الهيمنة الأمريكية في الذكاء الاصطناعي، لكنها أيضًا تنطوي على تحديات قد تفتح الباب أمام انقسام تكنولوجي عالمي أوسع، في ظل مقترحات مضادة من بكين مثل إنشاء منظمة عالمية للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، ما قد يدفع العالم نحو سباق محموم لصياغة أطر الحوكمة والتحكم في مستقبل هذه التقنية المحورية.