طموحات الانتقال الطاقي بين الريادة الإقليمية والعدالة المجتمعية في المغرب

قدّمت غوى النكت، المديرة التنفيذية لمنظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قراءة تحليلية لفرص الانتقال الطاقي في المغرب من خلال منظور العدالة المناخية والطاقة اللامركزية.

وانطلقت غوى، في مقال توصلت به جريدة جريدة النهار الإلكترونية بعنوان “إطلاق إمكانات الصاقة اللامركزية في المغرب”، من التقدم الذي أحرزته المملكة في مجال الطاقات المتجددة، مؤكدة أن نجاح هذا المسار لا يكتمل دون إشراك المجتمعات المحلية وتوسيع نطاق المبادرات اللامركزية؛ مثل الطاقة الشمسية على مستوى المنازل والشبكات الصغيرة، مستعرضة كيف يمكن للطاقة المتجددة اللامركزية أن تسهم في تعزيز السيادة الطاقية وتحقيق المساواة الاجتماعية وتخفيف التبعية للوقود الأحفوري المستورد.

وشددت الباحثة ذاتها على ضرورة ملاءمة الإطار التشريعي مع هذا التوجه، داعية إلى جعل التحوّل الطاقي أداة تمكينية تعيد توزيع السلطة والموارد وتضع الأفراد والمجتمعات المحلية في قلب السياسات المناخية الوطنية.

نص المقال:

على الرغم من أن المغرب لا يسهم إلا بنسبة 0.2 في المائة من الانبعاثات العالمية، فإنه يشكّل مثالا يُحتذى به من خلال أجندة طموحة للانتقال في مجال الطاقة؛ فيهدف المغرب إلى توفير نسبة 52 في المائة من إمدادات الكهرباء المُركّبة من مصادر متجددة بحلول العام 2030، وإلى تحسين كفاءة استخدام الطاقة بنسبة 20 في المائة، وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45.5 في المائة في العام نفسه. وتشكل هذه الأهداف التزاما واضحا بتعهدات المغرب المناخية، كما أنها ضرورية لمعالجة العجز الكبير في الطاقة والاعتماد المرتفع على الوقود الأحفوري المستورد، والذي يشكل حاليا نحو 90 في المائة من إجمالي إمدادات الطاقة في البلاد.

وقد رسّخ المغرب مكانته بالفعل كجهة إقليمية رائدة في مجال الطاقة المتجددة، حيث عدّل هدفه مؤخرا سعيا إلى توفير نسبة 56 في المائة من إمدادات الكهرباء من مصادر متجددة بحلول العام 2027. وتعكس هذه النسبة المُعدّلة التزاما وطنيا قويا بتسريع عملية الانتقال في مجال الطاقة بما يتماشى مع الأهداف المناخية واحتياجات الأمن الطاقي. ومع ذلك، فإن نجاح هذا التحول لا يعتمد على المشاريع العملاقة والإنجازات الوطنية فحسب؛ بل أيضا على أثرة الإيجابي على الحياة اليومية للمواطنين المغاربة. فبالرغم من التقدّم المُحرز على المستوى الوطني، فإن عددا كبيرا من الأسر والمجتمعات المحلّية لا يزال يواجه تحديات تتعلّق بتكاليف الطاقة والقدرة على تحمّلها. لذلك، فإن تعزيز الصلة بين الأهداف الوطنية والتجارب اليومية عاملٌ أساسي للحفاظ على ثقة المواطنين وضمان توزيع منافع الانتقال الطاقي بشكل عادل.

ولردم الفجوة بين الطموحات الوطنية والواقع المُعاش للمجتمعات المحلية، يمكن للمغرب أن يُعزّز ريادته في مجال الطاقة من خلال إعطاء الأولوية لمبادرات الطاقة المتجددة اللامركزية للأسر والمجتمعات المحلية. فهذه الأنظمة، مثل ألواح الطاقة الشمسية المُركّبة على أسطح المنازل والشبكات الكهربائية الصغيرة المحلية، تُقدّم فوائد ملموسة ومباشرة للمواطنين، كما تدعم الأهداف الوطنية المتعلقة بالمناخ والطاقة. وتُخفف اللامركزية أيضا من الضغط على البنيات التحتية المركزية، وتعزز القدرة على الصمود أمام صدمات الطاقة العالمية، وتوفّر حلولا مرنة ومحلية مصمّمة لتلبية احتياجات كل منطقة ومجتمع. وفي ظل تفاقم شحّ المياه، تُصبح الحاجة إلى اعتماد تقنيّات طاقية موفرة للمياه عن طريق هذه الأنظمة أكثر إلحاحا، لا سيما أنّ هذا المجال قد خضع بالفعل لبحوث معمّقة سواء في الأنظمة التقليدية أم المبتكرة للطاقة المتجددة اللامركزية؛ مثل أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية وتداول الطاقة من نظير إلى نظير.

إلى جانب مزاياها التقنية، تُمثّل أنظمة الطاقة المتجددة اللامركزية أداة فعّالة لمعالجة اختلال موازين القوى بين الشمال العالمي والجنوب العالمي، ولتعزيز العدالة المناخية. وقد أظهر تقرير حديث، أصدرته منظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالتعاون مع الحركة النسوية للعدالة الاقتصادية والإيكولوجية والتنمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كيف يمكن لهذه الأنظمة أن تمنح المجتمعات المحلّية قوة فعلية وأن تنقل زمام المبادرة إلى الفئات التي غالبا ما يتم تهميشها. ففي سياق اقتصادي وطاقي عالمي يُخضِع دول الجنوب العالمي وسكانها لمصالح واحتياجات الشمال العالمي، تُمكّن الطاقة الشمسية اللامركزية والمملوكة مجتمعيا السكان المحليّين من التحكم بإنتاج الطاقة، بما يضمن أن يحقق الانتقال الطاقي أهداف العدالة البيئية والاجتماعية معا.

يُبرز التقرير فوائد أساسية يمكن تحقيقها من خلال التشجيع على اعتماد الطاقة المتجددة اللامركزية؛ ومن أبرزها:

ـ تمكين المجتمعات المحلّية وتعزيز قدرتها على الصمود: من خلال تمكين المجتمعات المحلية من توليد الطاقة وإدارتها ذاتيا، تساهم الأنظمة اللامركزية في تعزيز الاعتماد على الذات والقدرة على اتخاذ القرار على المستوى الشعبي. وتُعدّ هذه الأنظمة حيوية بشكل خاص في المناطق النائية والمحرومة ذات الوصول المحدود أو غير المستقر إلى الشبكة الكهربائية، كونها توفّر موثوقية واستقلالية أكبر في مواجهة الكوارث الطبيعية أو الظواهر المناخية القاسية.

ـ تنمية اقتصادية شاملة: توفّر مشاريع الطاقة المحلية فرص عمل جديدة، وتُحفّز المؤسّسات الصغيرة، وتُبقي المنافع الاقتصادية ضمن المجتمعات نفسها؛ ما يساهم في الحد من الفقر وفي تحقيق نمو شامل.

ـ المساواة بين الجنسَيْن: يمكن أن تؤثر حلول الطاقة اللامركزية إيجابا على النساء اللواتي يتحملن العبء الأكبر من فقر الطاقة، إذ يمكن للطاقة النظيفة والموثوقة أن تحسّن من الأوضاع الصحية وتُقلّل من الأعمال غير المدفوعة الأجر وتفتح آفاقا جديدة للنساء لكسب العيش.

ـ الاستدامة البيئية: تتمتع مشاريع الطاقة المتجددة الصغيرة عادة ببصمة بيئية أقل مقارنة بالمشاريع الكبرى؛ ما يُسهم في الحفاظ على النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي المحلي.

ومن خلال التركيز على إنتاج الطاقة المتجددة اللامركزية كجزء محوري من استراتيجيته للتحوّل الطاقوي، يمكن للمغرب أن يُحقّق أهدافه المناخية وأمنه الطاقي؛ بل أن يُعزّز أيضا العدالة الاجتماعية، والمرونة الاقتصادية، والاستدامة البيئية. وللاستفادة من هذه الإمكانات، تبرز الحاجة إلى إصلاحات تشريعية وتنظيمية تُشجّع المبادرات الصغيرة والمجتمعية في مجال الطاقة المتجددة. وقد دعا خبراء الطاقة وفاعلو المجتمع المدني إلى اعتماد أحكام قانونية أوضح في ما يتعلّق بالإنتاج الذاتي للطاقة، وآليات تسعير عادلة مثل تعرفة التغذية الكهربائية (Feed-in Tariffs – FiTs)، بهدف فتح المجال أمام مشاركة أوسع للمواطنين في عملية الانتقال الطاقي.

لقد حدّدت أهداف المغرب الطموحة في مجال الطاقة المتجددة مسارا مختلفا ومتميّزا على المستوى الإقليمي. وحان الوقت اليوم لاتخاذ الخطوة التالية، من خلال الاستثمار في حلول لامركزية تتمحور حول المجتمعات المحلّية وتضمن عدم ترك أحد خلف الركب؛ فتمكين الأفراد والمجتمعات المحلية من إنتاج طاقتهم النظيفة بأنفسهم هو أكثر من مجرد حل مناخي – إنّه طريق نحو العدالة، والقدرة على الصمود، والسيادة الحقيقية في مجال الطاقة.

Exit mobile version