
المغرب يتجه نحو تثبيت سعر الفائدة رغم أثمان النفط والظرفية الجيوسياسية
وسط منظومة اقتصادية وطنية مدعومة بالنمو الاقتصادي الذي تحسّن متم سنة 2024، وبنتائج جيدة حققتها القيَم المضافة لقطاعات الفلاحة والصناعة والسياحة خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025، يأتي انعقاد ثاني اجتماعات البنك المركزي المغربي للسنة المالية الجارية؛ إذ يترقب مجتمع المستثمرين والمؤسسات البنكية وكذا عموم المواطنين نتائج الاجتماع الفصلي لمجلس بنك المغرب، المقرر عقده يوم الثلاثاء المقبل.
وخلال اجتماعه الفصلي الأول لسنة 2025، كان مجلس بنك المغرب قرر خفض سعر الفائدة الرئيسي، للمرة الثانية على التوالي الثالثة منذ يونيو من العام الماضي، بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى 2,25 في المائة، معللاً ذلك بـ”التوقعات المتعلقة بالتضخم عند مستويات تتماشى مع هدف استقرار الأسعار”، وباستحضار “تعزيز دعم النشاط الاقتصادي والتشغيل”.
ومن المرتقب أن يصل “تطاير شظايا” الحرب الإسرائيلية–الإيرانية، التي تكمل أسبوعها الأول من التصعيد المباشر غدا الجمعة، إلى الاجتماع الفصلي الثاني لمجلس البنك المركزي المغربي، الذي عادةً ما يبني قراراته، اجتماعاً باجتماع، على “تتبع تطور الظرفية الاقتصادية عن كثب”، معتمدا على أحدث المعطيات المحيّنة.
“سيناريو التثبيت”
قال زكرياء فيرانو، أستاذ علوم الاقتصاد والتدبير في جامعة محمد الخامس بالرباط، إن “القرارات المتعلقة بالسياسة النقدية تعتمد على دراسات استشرافية تمتد من سنة إلى سنة ونصف السنة (18 شهرًا)، مع التركيز على مسارات ودينامية التضخم”، مؤكدا أنه “لا يُتوقع ارتفاع كبير في معدلات التضخم في المغرب خلال الفترة المقبلة”.
وأضاف فيرانو، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن “الدراسات تشير إلى استقرار نسبة التضخم عند النطاق المستهدَف المتماشي مع هدف استقرار الأسعار (أي حوالي 2 في المائة) في الأعوام 2025 و2026”.
كما استحضر الأكاديمي الاقتصادي تداعيات “التوقعات الاقتصادية التي تشير إلى نمو إيجابي للاقتصاد الوطني بنسبة تصل إلى 4% في سنتي 2024 و2025″، مردفا: “هناك نمو متوقع في القطاعات الاستثمارية وديناميتها داخل المغرب”.
كما أورد أنه في ما يخص “أسعار البترول المتوقعة فهي تتراوح بين 45 و70 دولارا، مما يتماشى مع السيناريوهات الاقتصادية الموضوعة”، وفق قراءة قدّمها لجريدة النهار، مفيدا في السياق أيضا بأن “الأسواق المالية والنقدية وأسواق الرساميل تُظهر تعافيًا ملموسًا في نِسب التداولات والأرباح، وخاصة في أسواق السندات العمومية”.
ولم تغب ارتدادات ما يعتمل في الشرق الأوسط، منذ بداية يونيو الجاري، عن ناظرَي وتحليل فيرانو، الذي قدّر أن “الصراعات الدولية قد تؤثر فعليا على التبادلات التجارية وأسعار البترول، لكن التأثير الحالي محدود”.
ورغم استدلاله بأن “السيناريو الأسوأ لتصعيد طهران وتل أبيب (مع احتمال توسع رقعة الضربات العسكرية) قد يشمل ارتفاع أسعار البترول إذا تدهور الوضع في المناطق الحساسة للنقل البترولي وسفن التجارة البحرية الخاصة بالنفط (مضايق هرمز والبحر الأحمر والسويس بـ40 في المائة من تبادلات تجارة البترول)”، خلص أستاذ الاقتصاد إلى أن “الاستشراف الأكثر منطقية والأجدر-على الأرجح-في حدود نسبة 80%، هو تثبيت سعر الفائدة عند مستواه الحالي (دون تغيير)؛ إذ من المتوقع أن يحافظ بنك المغرب على سعر الفائدة دون تغيير في الاجتماع المقبل”.
وختم مستدركاً: “فعلاً هناك عدم يقين يتصاعد بشكل أكبر فيما يخص استشرافات التضخم وليس نسبة هذا الأخير، وهذا يعني أن عدم اليقين سيكون أكبر. ولكن لن يكون هناك استشراف بأن تتجاوز نسبة التضخم الحد المقبول للسياسة النقدية المغربية (بين 2 إلى 3%)”.
“تضخم وأداء”
قدر الباحث في الشؤون الاقتصادية خالد أشيبان، بناء على معطيات متواترة للظرفية الاقتصادية الوطنية والدولية، أن يتوجه بنك المغرب إلى “إقرار سيناريو تثبيت سعر الفائدة عند المستوى الحالي”.
وقال أشيبان في تصريح لجريدة النهار: “من المحتمل أن يعيد البنك المركزي النظر في قراره بناءً على تطورات المؤشرات في المستقبل، ومتابعته عن كثب لتطورات الظرفية ومستجدات الساحة الدولية؛ إلا أن التحليل المنطقي يشير إلى أن المؤشرات الاقتصادية الوطنية جيدة إجمالا”.
وشرح أن “الاقتصاد الوطني والقطاعات الإنتاجية غير الفلاحية تحقق أداءها بشكل جيد، والتساقطات الأخيرة أعطت بعض التفاؤل للموسم الفلاحي ومحصول أفضل من سابقيه بالنسبة لعدد من المحاصيل والفروع الزراعية الإنتاجية”، وبالتالي “هناك تعاف جزئي في القطاع الفلاحي، وليس كليًا”.
بعد ذكره أن “الهدف الأساسي للبنك المركزي هو ضبط التضخم الذي ما زال تحت السيطرة والتحكم”، لم يستعبد المحلل الاقتصادي ذاته “احتمالية واردة للتفكير في تخفيض نسبة الفائدة بناءً على المؤشرات الوطنية”.
وقال متفاعلا مع سؤال جريدة النهار: “المستجدات الإقليمية، خاصة في الشرق الأوسط، تثير حالة من عدم اليقين. هذا واضح ومؤكد، خاصة مع ارتفاع أسعار البترول واضطرابات السوق العالمية التي قد تفضي إلى موجة تضخمية جديدة”.
وخاتم أشيبان تصريحه بالقول إن “البنك المركزي المغربي قد يقرر الاتجاه نحو تثبيت سعر الفائدة في الوقت الحالي، ومن الأسباب القوية المرجحة هو ألّا يخوض مخاطرةً غير محسوبة العواقب”، مستدلا بسياقات سابقة انعقد فيها المجلس واستقر رأيه على قرار “إبقاء الفائدة دون تغيير”.
وعكس التحليلات التي استقتها جريدة النهار آنفاً، كان استطلاع أجراه مركز “بي إم سي إي كابيتال غلوبال ريسيرش” (BKGR) قد كشف، الأسبوع الجاري، أن “63 في المائة من المستثمرين المؤسساتيين المغاربة يتوقعون أن يخفض بنك المغرب سعر الفائدة الرئيسي بواقع 25 نقطة أساس”.