أسعار اللحوم تحطم الأرقام القياسية .. وغياب الوعي يزيد حدة الأزمة

في ظل الارتفاع المقلق الذي تعرفه أسعار اللحوم في عدد من الأسواق المغربية مع اقتراب مناسبة عيد الأضحى، يتصاعد الجدل حول الأسباب الحقيقية وراء هذه الزيادات المفاجئة، ومدى قانونيتها، وانعكاساتها المباشرة على القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصا في ظل ظرفية اقتصادية صعبة تتسم بغلاء المعيشة وتداعيات سنوات الجفاف.

وفي خضم هذا الوضع، تُسجَّل انتقادات متزايدة من جمعيات حماية المستهلك، التي تحذر من استغلال بعض التجار والموزعين الطلب الموسمي على اللحوم و”الدوارة” للترويج لمنتجاتهم بأسعار ملتهبة، مستغلين مناسبات اجتماعية مثل العقيقة وغيرها، ودون احترام للتوجيهات الرسمية الرامية إلى استقرار السوق وضمان التوازن.

إعلان أسعار اللحوم تحطم الأرقام القياسية .. وغياب الوعي يزيد حدة الأزمة

ولا يقتصر السبب في هذا الارتفاع على المضاربين فقط، بل إن الإقبال المكثف للمواطنين على اقتناء اللحوم خلال فترة قصيرة، سواء لأغراض العيد أو لمناسبات خاصة (العقيقة وفق إدعاء بعضهم)، ساهم بدوره في رفع منسوب الطلب، ما خلق اختلالا واضحا بين العرض والطلب. هذا السلوك الاستهلاكي المفاجئ وغير المنظم، وفق فاعلين جمعويين، يُسهِم في تغذية المضاربة، ويعطي المبرر للتجار لرفع الأسعار، في غياب وعي استهلاكي جماعي يراعي التوجيهات الرسمية وأهداف تحقيق استقرار السوق.

في هذا الإطار، قال وديع مديح، خبير في قانون حماية المستهلك الرئيس المؤسس لجمعية “UNICONSO”، إن موجة ارتفاع أسعار بعض المنتجات، خصوصا اللحوم، لم تكن ظرفية أو مفاجئة، بل بدأت تتضح معالمها منذ أكثر من عشرة أيام، مشيرا إلى أن هذه الزيادات تعود إلى عوامل مترابطة عدة، من أبرزها تداعيات الجفاف التي أثرت بشكل مباشر على قطاع تربية المواشي، وما رافقها من توجيهات ملكية لحماية الثروة الحيوانية وتشجيع توازن السوق.

وأوضح مديح، ضمن تصريح لجريدة النهار، أن بعض الفاعلين في السوق، من تجار وموزعين، استغلوا هذه الظرفية لطرح لحوم وبهائم بأسعار مرتفعة، مستغلين الطلب المرتفع، خصوصًا مع إقبال المواطنين على اقتناء اللحوم أو الأضحية، “مدعين الاحتفال بالعقيقة دون اكتراث بتوصيات الدولة أو مصالح المستهلكين”.

وأكد أن “المشكلة الحقيقية تكمن في غياب الوعي لدى بعض المستهلكين، الذين لا يدركون أن انخراطهم في هذا النوع من الاستهلاك غير المنظم يغذي المضاربة ويشجع على التلاعب بالأسعار”، مضيفا أن “غياب المراقبة الاستباقية من طرف السلطات المعنية زاد الوضع تعقيدا، في وقت كان من المفترض أن تتخذ إجراءات رادعة لتفادي هذه الزيادات غير المبررة”.

وانتقد مديح ما وصفه بـ”الفراغ التنظيمي” الذي يتيح لتجار معينين التلاعب بالأسواق، والترويج لمنتجاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي في غياب أي رقابة حقيقية، داعيا إلى معاقبة كل من يساهم في زعزعة استقرار السوق الوطني والإضرار بالقدرة الشرائية للمواطنين.

وختم بالقول: “نحن جميعا مسؤولون، ويجب أن تكون هناك إرادة جماعية لتكثيف الجهود لحماية السوق وتنمية القطاع، لكن في المقابل يجب معاقبة المتلاعبين، وعدم تركهم يستفيدون من الثغرات على حساب استقرار السوق وحقوق المستهلك”.

من جانبه، قال بوجمعة موجي، نائب رئيس جمعية حماية المستهلك بالدار البيضاء، إن موجة ارتفاع أسعار اللحوم التي تشهدها الأسواق الوطنية في الأيام الأخيرة، وخصوصا مع اقتراب مناسبة عيد الأضحى، “أمر غير قانوني وغير مقبول تماما”، محذرا من استغلال بعض التجار المناسبات الاجتماعية لرفع الأسعار بشكل غير مبرر.

وأوضح موجي، ضمن تصريح لجريدة النهار، أن الجمعيات، سواء على مستوى الفيدرالية أو في الدار البيضاء، كانت قد استبشرت خيرا بعد الخطاب الملكي الذي دعا المواطنين إلى عدم ذبح الأضاحي من أجل إعادة التوازن إلى السوق وخفض الأسعار. وأكد أن “الخطاب كان له تأثير إيجابي في البداية؛ إذ انخفضت أسعار لحوم البقر من مستويات مرتفعة كانت تتراوح بين 140 و170 درهما للكيلوغرام، لكن للأسف عادت الأسعار للارتفاع مؤخرا”.

وأضاف أن “الزيادات لم تقتصر على اللحوم فقط، بل شملت حتى ‘الدوارة’ التي وصل ثمنها في بعض الأسواق إلى 900 درهم، وهو أمر غير معقول بتاتا”، مشيرا إلى أن “ما يحدث اليوم هو مضاربة تمس القدرة الشرائية للمواطن، وتستدعي تدخلا حازما من الجهات المعنية”.

ودعا موجي المواطنين إلى التحلي بالوعي وعدم الانسياق وراء هذه الممارسات، قائلا: “الوعي ضروري، لأن أي استمرار في هذه الوتيرة سيؤدي إلى ارتفاع مستمر في الأسعار، والمتضرر الأول والأخير هو المستهلك”.

وختم تصريحه بالتأكيد على أن السلوك الذي يقوم به المستهلكون – مثل اقتناء الأضاحي بدعوى العقيقة أو مناسبة أخرى – “سلوك يغذي المضاربة في السوق ويفرغ التوجيهات الملكية من مضمونها، ينبغي التصدي له”. كما طالب بتطبيق القانون في حق كل من يساهم في خرق قواعد السوق واستقرار الأسعار.

زر الذهاب إلى الأعلى