تجربة جديدة لتربية الدواجن بالمغرب

أطلقت جمعية “تربة” للتنمية القروية مشروعاً طموحاً لتربية الدواجن في جهة فاس مكناس، مستهدفة في مرحلته الأولى خمسين مربياً من مختلف الجماعات القروية، ضمن خطة متكاملة تهدف إلى تأمين لحوم ذات جودة عالية، وتوفير بدائل صحية في الأسواق الشعبية التي لطالما ارتبطت بمنتجات غير مراقبة. ويأتي هذا المشروع في سياق وطني يتسم بتزايد القلق حول شروط تربية الدجاج وسلامته، خاصة بعد تقارير رسمية أكدت غياب المراقبة في عدد من الضيعات العشوائية.

وترتكز مبادرة الجمعية على رؤية تقوم على تقوية قدرات المربين القرويين عبر تزويدهم بالتجهيزات اللازمة، وتكوينهم على الأساليب الحديثة في تربية الدجاج، مع مواكبة طبية بيطرية منتظمة يشرف عليها فريق متخصص، في تجربة غير مسبوقة على مستوى الإقليم. كما أبرمت الجمعية شراكات مع جمعيات محلية وهيئات مهنية لضمان انخراط جماعي يُعزز الاستدامة ويُقلل من نسب الفشل.

إعلان تجربة جديدة لتربية الدواجن بالمغرب

وتعتمد “تربة” في هذا المشروع على نظام تشاركي، إذ توفر للمربين الصيصان والعلف والدعم التقني، مقابل التزامهم بدفتر تحملات صارم، مع اقتطاع نسبة 20 في المئة من الأرباح لفائدة الجمعية لضمان ديمومة المشروع. ويُمثل هذا النموذج صيغة ثالثة تجمع بين المبادرة المدنية والمقاولة التضامنية، وهو ما تعتبره الجمعية بديلاً عملياً عن مقاولات تسويق الأعلاف التي تتعامل مع المربين بمنطق تجاري صرف.

رهان الإنتاج

مصطفى حنين، مدير التواصل بجمعية “تُربة”، قال إن المشروع لا يقتصر على إدماج شباب العالم القروي في سلاسل الإنتاج، بل يهدف إلى “تغيير الذهنيات” من خلال ترسيخ ثقافة الجودة والمسؤولية الجماعية، مؤكداً أن التجربة تعتمد على مقاربة تربوية بالدرجة الأولى.

وأضاف حنين أن الجمعية تؤمن بأن العمل في المجال الفلاحي ينبغي ألا يظل محكوماً بالعشوائية أو بالتجريب، بل يجب أن يستند إلى أسس علمية تراعي شروط الصحة العامة واحترام المستهلك.

وأوضح المتحدث أن الجمعية اختارت أن تنطلق بخمسين وحدة نموذجية موزعة على جماعات مختلفة، في تجربة أولى سيتم تقييمها نهاية كل دورة إنتاج، مشدداً على أن الهيئة المدنية لن تتساهل مع أي إخلال بالمعايير المعتمدة، لأن الهدف هو إنتاج دجاج صحي وآمن، لا مجرد إدخال مداخيل ظرفية للمنتسبين، وزاد، ضمن تصريحه لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن الجمعية عملت منذ بداية المشروع على عقد شراكات مع فاعلين متخصصين في الطب البيطري والتغذية الحيوانية، لتأمين سلسلة إنتاج مضبوطة من التلقيح إلى التسويق.

وأشار الفاعل الجمعوي نفسه إلى أن اختيار المستفيدين تم بناءً على معايير دقيقة، أهمها الجدية، والرغبة في التعلم، والقدرة على الالتزام بدفتر التحملات، مؤكداً أن الهدف ليس دعم العائلات الهشة فقط، بل الاستثمار في طاقات قادرة على إحداث تغيير في النمط الإنتاجي داخل القرى؛ كما قال إن الجمعية تعوّل على التجربة لتكوين نواة قروية محترفة في هذا القطاع، يكون بمقدورها لاحقاً نقل المهارات والتجربة إلى آخرين.

وأكد حنين أيضا أن الجمعية حرصت، منذ انطلاق المشروع، على ضمان الشفافية في تدبير الموارد والمصاريف، إذ تخضع كل عملية شراء أو تمويل لتتبع دقيق يشارك فيه أعضاء منها والمستفيدون أنفسهم، وذلك بهدف ترسيخ الثقة وضمان الاستمرارية، وتابع بأن المشروع لا يُمول من جهة واحدة، بل يعتمد على مساهمات متعددة، من بينها دعم من شركاء محليين، ومساهمات فردية من أعضاء الجمعية، مشدداً على أن ذلك يمنح للمشروع طابعاً جماعياً يقطع مع منطق الريع أو الإحسان الموسمي.

وأشار المتحدث إلى أن المشروع مازال في بدايته، إذ لم يمض إلا أسبوعان على إطلاق أولى وحداته النموذجية، ما يجعل التركيز منصبًا حاليًا على تثبيت الأسس وتقييم المراحل الأولى، واعتبر أن هذه المرحلة التأسيسية حاسمة في ترسيخ الثقة مع الساكنة المحلية، موردا أن الجمعية تعي حجم التحديات المرتبطة بتربية الدواجن في العالم القروي، وتسعى إلى مواجهتها بمنهج تشاركي يجمع بين التكوين والمرافقة والدعم المتدرج.

مقاربة صحية

من جهته، يرى الدكتور حسن أوهمّو، الطبيب البيطري المكلف بتتبع المشروع، أن المبادرة تُشكل تحولاً نوعياً في العلاقة بين المربي والدجاج، بحيث لم يعد الأمر مجرد عملية إنتاجية لتوفير اللحوم، بل بات مشروعاً قائماً على الوعي الصحي والمسؤولية البيئية؛ وقال إن الجمعية شددت منذ البداية على أهمية التكوين، إذ خضع المربون لدورات تدريبية تتعلق بشروط النظافة، وتدبير المسكن، وطرق التلقيح، والتعامل مع الحالات المرضية، وهي أمور كثيراً ما يُهملها المربون في الضيعات التقليدية.

وأضاف المتحدث، ضمن تصريحه لجريدة النهار، أن النظام الجديد المعتمد من طرف الجمعية يضمن احترام الدورة الصحية للدجاج، من خلال تحديد عدد معين من الأيام للراحة بين كل دورتين إنتاجيتين، وإخضاع الوحدات للتطهير الكامل، وهي إجراءات تُمثل الحد الأدنى من المعايير المعمول بها دولياً، وأوضح أن المربين صاروا يستفيدون من زيارات بيطرية منتظمة، ويتوصلون بتقارير حول وضعية القطيع، وهو ما ساعد في تقليص نسبة النفوق وتحسين الجودة العامة للمنتج.

وأبرز الطبيب البيطري أن المشروع مكّن المستفيدين من اكتساب ثقافة جديدة في تدبير ضيعاتهم، حيث باتوا أكثر وعياً بأهمية الوقاية بدل العلاج، مشيراً إلى أن نسبة استعمال الأدوية تراجعت بشكل كبير مقارنة بما كان يُسجل في التجارب التقليدية، وذلك بفضل التحكم الجيد في شروط التربية، وختم بالقول إن المشروع يُعد نموذجاً قابلاً للتوسيع، شريطة توفير التأطير الكافي، وضمان التزام المستفيدين، فيما التحول الحقيقي يبدأ من تغيير العقليات، لا فقط من الدعم المالي أو التقني.

زر الذهاب إلى الأعلى