
إيشو: تقلبات تصدير السيارات مؤقتة
بتسجيلها تراجعا قارب نسبة 8 في المائة، خلّفت صادرات قطاع السيارات بالمغرب خلال الربع الأول من سنة 2025 خسائر بالنسبة لمهنيي وشركات القطاع فاقت 3 مليارات درهم، حسب بيانات رسمية لمؤشرات المبادلات الخارجية لمكتب الصرف.
وبالأرقام، تراجعت في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الجارية الصادرات المغربية من السيارات، التي كانت إلى وقت قريب “فخر الصادرات الوطنية” إلى جانب “منتجات الفوسفاط ومشتقاته”، لتسجل بذلك “أوّل انخفاض لها” منذ فترة “كوفيد-19”.
وبينما لم يتسنّ لجريدة النهار الحصول على معطيات مفسرة أو موضّحة لهذا الانخفاض، خاصة من طرف مهنيي قطاع السيارات وتصنيعها بالمملكة، بعد محاولات تواصل متكررة مع “الجمعية المغربية لصناعة وتسويق السيارات” (AMICA)، فإن “التحليل الدقيق للمعطيات الصناعية وتصريحات المسؤولين يكشفان أن هذا التراجع لا يعكس خللا بنيويا، بل يصنّف في إطار تقلبات ظرفية محدودة”، وفق ما أفاد به محمد عادل إيشو، أستاذ في علوم الاقتصاد بجامعة بني ملال.
وكان وزير الصناعة والتجارة أرجع هذا الانخفاض، ضمن خرجات إعلامية متفرقة، إلى “أعطال تقنية لحقت بمحركات بعض طرز ‘ستيلانتيس’”، ما استدعى “سحب آلاف السيارات من السوق الأوروبية وتأجيل عمليات التسليم، دون أن يسجّل تراجع فعلي في الطلب أو تآكل ثقة السوق في المنتج المغربي”.
قال إيشو في تصريح لجريدة النهار: “مع أن هذه العوامل تبقى خارجية ومؤقتة، فالحادث يسلّط الضوء على هشاشة استراتيجية التمركز التجاري للمغرب، الذي لا يزال يعتمد بشكل مفرط على السوق الأوروبية”. وأضاف ن “هذا التركيز، وإن كان مفيدا في فترات الاستقرار، يجعله عرضة للارتباك مع أي اضطراب في بيئة التكتل الاقتصادي الأوروبي. لذا، تبرز الحاجة الاستراتيجية لتنويع الشركاء والأسواق، من خلال تعزيز الروابط التجارية مع إفريقيا، الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية”.
ولفت المحلل المختص في الاقتصاد القياسي إلى أن “إعادة النظر في اتفاقية التبادل الحر الموقعة مع مصر بداية هذا العام، يرتقب أن ترفع واردات مصر من السيارات المغربية خلال الأشهر المقبلة، مما يبشر بإمكانات واعدة للتمدد جنوب-جنوب، وتخفيف الضغط على القناة الأوروبية الوحيدة”.
إيشو شدد على أن “التحولات الجيو-سياسية الدولية تفرض تحديات إضافية، لا سيما مع التعديلات الأخيرة في السياسات الجمركية التي أقدمت عليها العديد من الدول الصناعية الكبرى، والتي قد تدفع المستثمرين الدوليين إلى إعادة توجيه استثماراتهم نحو بلدان توفر بيئة إنتاج منخفضة التكلفة، ونظاما ضريبيا مرنا ويدا عاملة مؤهلة بأجور تنافسية”.
والمغرب، وفق قراءة المصرح لجريدة النهار، مازال يشكل “خيارا استراتيجيا مثاليا؛ إذ يتمتع ببنية تحتية صناعية وتكنولوجية متطورة، وبيئة لوجستية عالية الكفاءة، وموارد بشرية مؤهلة تعمل وفق معايير الجودة العالمية، مما يجعله من بين الوجهات الصناعية الواعدة في المنطقة”.
ولا يعد هذا التموقع مجرّد طموح نظري، بل هو مدعوم بأرقام وحقائق؛ إذ يحتل المغرب المرتبة الأولى على مستوى القارة الإفريقية في إنتاج السيارات، بطاقة إنتاجية تجاوزت 600 ألف وحدة سنويا، وأداء تصديري بلغ 157 مليار درهم سنة 2024.
إن هذه المؤشرات لا تبرهن فقط على جاهزية المملكة لجذب الاستثمارات، بل تؤكد أيضا أن على المستثمرين العالميين إعادة توجيه رؤيتهم نحو المغرب كمنصة صناعية استراتيجية، تجمع بين الجودة، والتكلفة التنافسية والتكامل مع الأسواق الأوروبية والإفريقية على حد سواء.
وأجمل إيشو بأنه “على المستوى الهيكلي، يواصل قطاع السيارات أداءه كقاطرة مركزية للصادرات المغربية، بحصة بلغت 35% من إجمالي الصادرات في 2024، مقابل 22.5% فقط عام 2014. وقد حافظ المغرب على صدارته كأكبر منتج للسيارات في إفريقيا، بإنتاج بلغ 610 آلاف وحدة في 2024، صدّر منها 90% إلى أكثر من 100 وجهة دولية”، مستحضرا “بلوغ العائدات الخارجية للقطاع 157 مليار درهم، بفضل الأداء القوي لمصانع رونو في طنجة والدار البيضاء، وستيلانتيس في القنيطرة”.
بيد أن المحلل ذاته نبّه إلى معطى “استمرار معظم المكونات الأساسية للسيارات في كونها تستورد من الخارج، سواء من أوروبا أو آسيا، رغم وصول معدل الإدماج المحلي إلى 69%، وهو ما يبقي القطاع عرضة لتقلبات سلاسل الإمداد العالمية. فرغم أن المغرب يطمح إلى رفع هذه النسبة إلى 80% بحلول 2030، إلا أن واقع الاعتماد الكبير على المدخلات الخارجية (inputs) يقلل من قدرة الصناعة الوطنية على الصمود أمام الأزمات التجارية أو اللوجستية”.
وفي ظل التحول العالمي المتسارع نحو المركبات الكهربائية، شدد المصرح على أنّ “السياسات الصناعية المغربية مطالبة بإعادة التموقع، من خلال دعم تصنيع السيارات الكهربائية، والبطاريات، وأنظمة التحكم الإلكترونية، فضلا عن تطوير سلاسل الإمداد المحلية المرتبطة بها. كما أن “تحديث البنية التحتية وتحسين قدرات التتبع التقني عاملان حاسمان” في تعزيز مرونة القطاع.
وأوصى أستاذ الاقتصاد بـ”تأمين الدينامية القطاعية، (وذلك) بالاستجابة للحاجة الملحة لإنشاء لجنة وطنية متخصصة في مراقبة جودة المنتجات الصناعية الموجهة للتصدير، لا سيما في القطاعات الحساسة مثل السيارات”.