بنعيسى يكشف كواليس لقاء الحسن الثاني بعد استدعائه بسبب مهرجان أصيلة

بنعيسى يكشف كواليس لقاء الحسن الثاني بعد استدعائه بسبب مهرجان أصيلة
حجم الخط:

في أحدث حلقات برنامج “شهادات للتاريخ” الذي تعدّه جريدة النهار وتقوم بتنشيطه الإعلامية نعيمة المباركي، يحلّ السياسي محمد بن عيسى ضيفا على البرنامج كشخصية محورية لمناقشة مساره السياسي؛ وهو المعروف بتقلّده مناصب مهمة عديدة داخل دواليب صناعة القرار في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، حيث عينه وزيرا للثقافة ثمّ سفيرا للمملكة المغربية لدى الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن يصبح وزيرا للخارجية منذ 1999 إلى غاية 2007.

بنعيسى، المستشار البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة ضمن الولاية الحكومية الحالية ورئيس مجلس جماعة أصيلة لأزيد من 40 سنة، يعدّ حاليا الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، التي تشرف على “موسم أصيلة الثقافي الدولي”. ويعدّ هذا الملتقى ضمن أكثر الفعاليات الثقافية المغربية شعبية في الوسط الثقافي المتوسطي والشرق أوسطي والإفريقي، بحكم انفتاحه على شخصيات ثقافية من مختلف المشارب. وهنا تكمن نقطة قوّة ضيف جريدة النهار: القدرة على الجمع بين قبعة السياسي وقبعة المثقف.

في هذه الحلقة الثالثة، لفت بنعيسى، الذي يُلقّب بـ”الوزير عاشق الثقافة”، إلى أنه حين عاد إلى المغرب سنة 1976 وجد أصيلة بوجه مختلف؛ “كانت كارثة… لم تعد هناك لا صيدلية ولا مستشفى.. وإذا وصلتك برقية فكان لزاما التنقل نحو طنجة أو العرائش لاستلامها”، مضيفا أن “النفايات كانت منتشرة في كل مكان والماء الصالح للشرب كان يأتي مرة في اليوم وبعض الأحياء يصلها لمدة ساعة فقط”.

وحول إمكانات الخلاص، سجل بن عيسى أنه كان يدردش مرّة مع محمد المليحي وقال له مازحا: “المثل العربي يقول أرض الذل تُهجر”.. فرد المليحي: “ولماذا لا نهاجر؟”، ولكن حينها بدأت الدعوة إلى الانتخابات البلدية في “العهد الديمقراطي الجديد في المغرب الجديد” الذي فتحه الحسن الثاني عقب المسيرة الخضراء”، أورد المتحدث شارحا أن هذا العهد وسّع من صلاحيات المجالس المنتخبة، وفي سنة 1977 ستنظم الانتخابات الشهيرة.

وعن القضايا المطروحة على جدول الفعل السياسي بالمملكة، أشار المتحدث إلى “قضية الصحراء، بحيث دخلنا في معركة جديدة لتحرير المغرب واستكمال الوحدة الترابية”، مستدركا بالقول: “في تلك الفترة، تقدمنا للانتخابات البلدية أنا والمليحي ولم يكن لنا علم بالأحزاب الموجودة، (…) ففزنا وأصبحتُ عضوا في مجلس بلدية أصيلة، إلى غاية 1983 حين انتُخبت رئيسا للبلدية”.

وبخصوص كيف ارتمى التحرك المدني إلى جبّة الفعل السياسي بأصيلة، حكى ضيف جريدة النهار أنه كان عائدا من طنجة مرّة رفقة المليحي؛ وزاد: “ونحن نتحدث عن أصيلة فتحنا النقاش عن إمكانية استلهام تجربة أمريكا في المجتمع المدني، قلت له: الولايات المتحدة لم تحي بالإدارات والوزارات بل بقوة المجتمع المدني، (…) حينها اقترحت عليه أن نؤسس جمعية غير حكومية لإبراز متطلبات المدينة… فأسّسنا جمعية “المحيط الثقافي”، التي أصبحت فيما بعد مؤسسة منتدى أصيلة.

وذكر بن عيسى “وجود بعض الصعاب. واتُّهمنا بأننا شيوعيون، لكوننا كنا نستعمل ألفاظا من قبل “الشعبية” و”غير حكومية” و”غير ربحية”، إلخ.. فتمّ استدعائي من طرف الشرطة ومن طرف العامل، وحينها كنا بدأنا تنظيم الموسم الأول سنة 1978″. وتابع شارحا: “اتصل بي الطيب بن الشيخ لأذهب معه نحو الرباط. وفجأة، وجدت نفسي بقصر السلام نستعدّ لنلتقي الحسن الثاني”.

وقال: “كان هناك اجتماع. غادر الجميع، فطلب مني البقاء بحضور أحمد عصمان (مؤسس حزب التجمع الوطني للأحرار). فسألني الملك: “شنو باغي دير نتا فأصيلة؟”، فأجبته بهدوء بأن أصدقائي وأنا فكّرنا في أن نخلق أرضية للحوار الثقافي، خاصة في هذا الوقت، سواء في العالم العربي أو إفريقيا ويكون في ذلك السبق المغرب.. فقال لي: “معامن تكلمتي؟”، فقلت إن الأمر يتعلق فقط ببعض أصدقائي؛ ولكننا واجهنا صعوبات مع بعض المثقفين المغاربة”. ردّ الحسن الثاني: “شنو هي الصعوبات؟”، فقلت له إنهم يقولون إنه “لكي ننجز فعلا ثقافيا حقيقيا نحتاج توقيعا ماركسيا أو اشتراكيا”.. فاستفسر الملك: “وشنو كتقوليهم نتا؟” فأجبت أنني أدافع عن الثقافة خارج تكبيل أي توجه سياسي معين”.

وزاد بن عيسى: “توجه الحسن الثاني إلى أحمد عصمان، وقال له بالفرنسية: هذه “فكرة جيدة”، فأبدى الاستعداد للمساعدة؛ فطلبت منه، حينئذ، أن يتفضل جلالته لكي يكون سيدي محمد ولي العهد حينها رئيسنا الشرفي، فلم يمانع. وذلك ما كان.

وأكد المتحدث أن العراقيل المادية خفّت، لكن كانت أخرى سياسية مطروحة، لأن بعض المثقفين والمفكرين أغلبهم يساريون كانت لديهم معاملات معينة، (…).

وزاد: “مرة التقيت الراحل الحسن الثاني فقلت له: إن هناك مشكلة تواجهنا تتعلق بكون أغلب المثقفين من يسار العالم.. فنادى حينها على إدريس البصري، فقال له: “أصيلة المسؤول عليها هو سي بنعيسى”؛ فأبديت حينها استعدادي لكي أسلّم لائحة المدعوين (للموسم) مسبقا لأعرف من يوجد في اللائحة السوداء؛ فرفض الحسن الثاني هذا المقترح.

وتابع ساردا: “سألني (الملك الراحل) حينها “هل تعرف في لندن توجد حديقة”… فقلتُ هايد بارك (معروفة بركن الخطباء)؛ فردّ موردا: “اجعل أصيلة مثل هذه الحديقة. من يود قول أية فكرة دعه يُشهرها في إطار حرية كاملة”.

وزاد السياسي: “هكذا بدأت أصيلة بنفس طويل، والذي شجعنا أكثر منذ البداية هو الملك محمد السادس، الذي زار، قبل أن يصبح رئيسا شرفيا (للملتقى)، مشغل الحفر الذي كان حينها أول مشغل في المغرب”.

وعودة إلى بدايات موسم أصيلة الثقافي، فقد سجّل المتحدث أنه “تمت دعوة الناس حينها من كل حدب وصوب، كان لدي هاجس هو أن نؤسس منظمة عربية إفريقية؛ كنت أشعر دائما بأن العرب بصفة عامة لم يكونوا يعتنون بإفريقيا وحتى نحن الذين نقع في شمال هذه القارة قليلا ما كنا نتحدث عن جذورنا الإفريقية؛ الآن الأمور تغيرت بفضل سياسة الملك محمد السادس والتوجهات (الجيواستراتيجية) الجديدة”.

وعادت الإعلامية المباركي إلى نقطة حرية التعبير التي وجدتها “مثيرة”، فطرحت سؤال هل كان يتم تحديد السقف للمدعوين أو يتم فسح المجال أمام حرية كاملة للتعبير عن الرأي؟ فشدد ضيف الحلقة على أنه “تحرينا، منذ البداية، أن ندعو كل الأصناف وكل التوجهات السياسية في المغرب. بعضهم كان يقبل وبعضهم يرفض”.

وأضاف موضحا: “لم أقاطع “مخلوقا” لأنه هاجم أصيلة، فعبد الكريم غلاب مثلا حرر مقالات عديدة في عموده “مع الشعب” ضد ما يجري في أصيلة، ولكننا أقمنا له تكريما رائعا”.

وسجل شخصية “شهادات للتاريخ” أن جملة من المثقفين كانوا يعدّونه “عميلا لدى الداخلية”، وقال: “حافظت أنا والمليحي على نفس الطريق إلى أن اقتنع كثيرون منهم بأننا لسنا عملاء لأحد؛ بل نحن نعمل لأجل الوطن ومن أجل الفتوحات السياسية التي بدأت معالمها تبرز”، مشيرا إلى أنه منذ بداية الموسم تم تطبيق مبدأين أساسين: ألا نجعل أصيلة محكمة تحاكم فيها الأنظمة السياسية وألا نقبل بمهاجمة أي رئيس دولة لأي سبب، حفاظا على روح هذا الموسم الثقافي.