ثالث أطروحة نوقشت بالجزائر حول رواية “الوطن ليس هنا” للكاتب والفاعل الثقافي المغربي مراد الضفري؛ أحدثها مناقشة أعدتها الطالبتان دلال خلوفي وخليصة طواهرية، بجامعة محمد بوضياف بالمسيلة.
وتعليقا على أطروحة “التجريب في رواية ‘الوطن ليس هنا’ لمراد الضفري”، ذكر الكاتب: “ثالث رسالة ماستر من إنجاز طالب باحث جزائري حول رواية “الوطن ليس هنا”! بالمقابل ولا بحث من طالب مغربي! إن كان الشكر الجزيل لسان حالي نظرا لهذا الاهتمام الطيب فإنني بالأحرى أحيي الطالبتين: دلال خلوفي وخليصة طواهرية من جامعة محمد بوضياف بالمسيلة، على حُسن اختيار زاوية نظر مغايرة لهذه الرواية والمتمثلة في “التجريب”… فهي فعلا كانت ‘تجربة’ لا أقل ولا أكثر”.
وذكرت الأطروحة أن الضفري “من رواد الجيل الجديد الذين عمدوا إلى تجريب أساليب مغايرة في الكتابة، لتخرج عن حلقة النماذج التقليدية، من خلال روايته ‘الوطن ليس هنا’، ولهذا وقع اختيارنا في هذه الدراسة (…) على هذا الروائي، لأسباب ذاتية أولا؛ تمثلت في شغفنا بفن الرواية وما يحمله من مساءلة مستمرة، ورغبتنا في معرفة الرواية المغربية وتفاصيل المبدع المغاربي في تعامله مع التجريب، وأسباب موضوعية تمثلت في التعريف بالرواية المغربية وخصوصية التجريب فيها بعدها تجربة مغاربية جديدة أسست لفعل التجريب في نصوصها”.
وتابعت الأطروحة أن المبتغى كان “الكشف عن آلياته الجديدة وأبعاده الجمالية، وتفحص مظاهر اشتغاله في المدونة المختارة ومدى تمثلها لواقع الروائي”؛ لأن “هذه التقنيات المستحدثة في متن الرواية المغربية، هي التي تمنحها تميزها عن مثيلاتها في الوطن العربي”.
وخلصت الأطروحة إلى أن “الرواية المغربية قد نجحت في إثبات وجودها على الساحة الأدبية رغم ظهورها المتأخر، وقد ارتبطت في بادئ نشأتها بالسيرة الذاتية والتاريخية، ثم انتقلت إلى المرحلة الواقعية الاجتماعية مجسدة الواقع المغربي بعد الاستقلال، لتقفز بعدها إلى مرحلة التجريب مع منتصف السبعينيات، وتساير التحولات التي عرقلت الذات في إثبات وجودها، متخذة الهوية عنصرا مهما في العملية الإبداعية”.
وزادت الدراسة: “وظف الضفري في رواية ‘الوطن ليس هنا’ التجريب على مستوى الشكل والمضمون، بداية من العنوان الذي كان يبحث به عن وطن له، وأحيانا عن هوية أو حب، بما أن الرواية فلسفية وجودية”، علما أن التجريب في هذه الرواية “تجريب لغوي بالدرجة الأولى؛ فقد اشتغل على أكثر من لغة، وانفتح على معاجم متعددة، في مزيج غريب بين الفصحى والعامية والدخيل من اللغات الأجنبية، لتنصهر كلها وتناسب أوضاع الشخصيات المختلفة”.
وواصلت الأطروحة: “صوّر الضفري شخصياته طبقا للمنظور التجريبي، فكان لشخصية المثقف دور بارز على الساحة الاجتماعية والسياسية خاصة، فلا يمكن أن يكون مثقفا إذا ابتعد عن هموم مجتمعه، وهذا ما لمسناه في شخصية ‘طارق ولد الخيل’. كما صور الضفري المكان من خلال إشراكه في البناء السردي؛ فمرة ينبض بالحياة ليزيح عتمة النفس وقلقها، ومرة أخرى مثل لنا الانهزام والانكسار وعيش حالة التيه، فكان كالكابوس المخيف”.
وتمظهر التجريب في “الوطن ليس هنا” أيضا “من خلال الاشتغال على الزمن، بكسر خطيته من خلال المفارقات الزمنية، مما أعطاها حرية ومرونة أكبر، خاصة مع تعدد الحوارات وتفرعها”.
وخلصت الأطروحة إلى أن الروائي قد تمكن “من التعبير عن واقعه بطريقة فنية جعلت القارئ يغوص في أعماق تلك الأحداث، ويمنحها دلالات متعددة؛ وبالتالي يساهم في عملية إنتاجها. كما كشف عن المسكوت عنه، ونقد الواقع المعاش بجرأة شديدة في تناول المحظور، الجنس والسياسة. كما سعى إلى تمرير رسائل مشفرة متعددة إلى الوطن العربي والمغاربي خاصة”.
