أرجع الدكتور إغناسيو فرناندو، أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة قادس، عدم إقبال المستعربين الإسبان على الكتابة بالعربية إلى كون المتلقين الأوائل لكتاباتهم وأعمالهم هم بالدرجة الأولى من الناطقين والقارئين باللغة الإسبانية، مبرزا أنه إذا اكتفى المستعرب الإسباني بالكتابة باللغة العربية فستكون النظرة إلى الثقافة العربية نظرة خارجية وسطحية.
وأشار فرناندو، في لقاء مع الإعلامي ياسين عدنان ببرنامج “في الاستشراق” على منصة “مجتمع”، إلى سبب ثان لعدم إقبال المستعربين الإسبان على فعل الكتابة بهذه اللغة، وهو “إبراز أهمية اللغة العربية كلغة عالمية وثقافية قادرة على مواكبة كل المستجدات والابتكارات التقنية”، معترفا في الوقت نفسه بأن اللغة العربية كانت بالنسبة للإسبان كنزا من الناحية التاريخية، بوصفها لغة نابضة وحية، وداعيا المستعربين إلى نشر هذه اللغة وتعريف الجمهور الإسباني بها.
وأوضح الدكتور أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة قادس أن “الإسبان يستخدمون كلمة الاستعراب بدل الاستشراق، لأن استعمال الكلمة الثانية يحيل على الاستشراق البريطاني أو الفرنسي والألماني، أو إلى أنماط أخرى من هذه الحركة الثقافية، في حين أننا نميل إلى استخدام كلمة الاستعراب والمستعرب للدلالة على المثقف والباحث الذي يهتم بالشؤون الثقافية، بتركيز خاص على دراسة الأندلس بكل جوانبها العلمية والثقافية”.
ويرى ضيف ياسين عدنان أن “الخيار الإسباني يعود إلى سببين اثنين، الأول هو أن الاستشراق مصطلح عام وفضفاض وواسع النطاق يشمل دراسة لغة وأدب وثقافة الشعوب الشرقية، بما فيها الشرق الأدنى والأوسط والأقصى، في حين أن حركة الاستشراق الإسبانية محدودة وركزت على دراسة اللغة والأدب في الأندلس”.
أما السبب الثاني، يضيف المتحدث ذاته، “فهو وجود مصطلح قديم هو ‘المستعرب’ (بفتح الراء)، يدل في دراسة التاريخ على المسيحي الذي عاش تحت السلطة الإسلامية في فترة الأندلس، وتعرب واتخذ اللغة العربية للثقافة والتواصل”.
وتابع فرناندو بأن “الهوية الإسبانية الصافية الخالية من العناصر الخارجية هي فكرة نمطية وسطحية ومتجذرة في المجتمع الإسباني بكل أطيافه منذ القدم، وتنظر إلى اللغة والثقافة العربية كجزء يجب إقصاؤه”، مشيرا في الوقت نفسه إلى “تيار في الأجيال الجديدة يتماهى ويعترف بآثار وبصمات الثقافة العربية في المعمار والفلاحة وغيرهما”.
وشدد الأستاذ ذاته على أن “الاستعراب الإسباني نشأ في البداية بأهداف تبشيرية واستعمارية، علاوة على جانب آخر لا يجب إغفاله، وهو الجانب العلمي والثقافي الذي ينكب على ترجمة ودراسة المؤلفات الأندلسية واستغلال هذا الإرث، ما مكن أوروبا من القيام بما تسمى بالنهضة الأوروبية”.
وجوابا عن سؤال كيف تعيش اللغة الإسبانية في ظل تواجد أزيد من 4 آلاف كلمة عربية فيها؟ قال الأكاديمي ذاته: “لا أعتقد أننا نعتبر هذا المعطى عبئا”، مؤكدا أن “كل الإسبان يعترفون بهذا الإرث والقاسم والمشترك المعجمي وأهميته”، وموردا أن “كل كلمة إسبانية تبدأ بالألف واللام هي عربية الأصل”.
وبخصوص تدريس اللغة العربية في الجامعات الإسبانية والمدارس الرسمية قال فرناندو إن هناك إقبالا لا بأس به من طرف الإسبان، ومرده إلى الفضول المعرفي أولا والانجذاب العاطفي والوجداني إلى الماضي العربي الراقي من جهة ثانية.
وشدد المتحدث ذاته على أن “تدريس العربية بإسبانيا لم يصل إلى المستوى المطلوب”، معتبرا الأمر مشكلة، وذلك بسبب “قلة الدعم الحكومي لهذه الدراسات من الدول العربية لإنشاء مراكز لتدريس ‘لغة الضاد’ على غرار ‘سرفانتيس’؛ بالإضافة إلى صعوبة العربية”، معتبرا أن ازدواجية اللغة العربية (الفصحى والعامية) تزيد من غناها لكنها تعرقل مسار التعلم.