بعنوان “سعيد بنسعيد العلوي من نبع الفلسفة إلى ضفاف الرواية”، صدر عن مؤسسة منتدى أصيلة مؤلف جماعي في أزيد من ثلاثمائة صفحة، يبحث في خمسة عقود من عطاء الروائي والأكاديمي المغربي المتخصص في الفلسفة، الذي درّس لعقود الفكر السياسي الإسلامي والحديث، وترأس سنوات شعبة الفلسفة بالرباط، وكان عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالعاصمة، ورئيسا لجامعة محمد الخامس.
هذا الكتاب، الذي نسقه أحمد زنيبر وعبد الإله التهاني، يضم ملحقا بسيرة وأعمال صاحب “العدالة أولا”، و22 دراسة في مختلف جوانب فكره وإبداعه ساهم بها أكاديميون؛ من بينهم أسماء بارزة في الساحة الفكرية على المستويين الوطني والعربي: عبد السلام بنعبد العالي، كمال عبد اللطيف، مبارك ربيع، سعيد بنكراد، أحمد المديني، عبد الرحمن بن زيدان، شعيب حليفي، محمد آيت لعميم، عبد المالك أشهبون، حورية الخمليشي، هويدا صالح، أحمد بوحسن، عياد أبلال، نبيل فازيو، صدوق نور الدين، العربي وافي، إسماعيل الحسني، عبد الرحيم البيدق، فؤاد بن أحمد، أحمد زنيبر، عبد العزيز بومسهولي، وخالد عزب.
واستُهل الكتاب بـ”مُقتبسات” مما خط سعيد بنسعيد فكرا وأدبا؛ من بينها فقرتان من روايته “حبس قارة” التي تسمت بسجن مكناسي تحت أرضي هو أحد أبرز السجون في تاريخ المغرب: “الإنسان في باطنه، قدر فوق نار. تهدأ النار فتتصاعد من القدر رائحة طيبة. رائحة الطعام الطيب تحرك في النفس شهوة الأكل… ثم تمور النار. وربما احترق الطعام فلا يعود صالحا لشيء (…) حتى إذا بزغ فجر يوم جديد، انكشف لذلك السجان، ما كان الليل له سترا وغطاء”…
ويواصل الاقتباس: “الليل ستر يا أوجين، والنهار عري. يتذكر صاحبك بؤس الليل، وما كان فيه شاهدا على ضعفه الشديد، فيغلي القدر في جوفه وتتصاعد منه الأبخرة السامة. يزيغ البصر فيفرغ الغل في سوطه، يلهب به جسد السجين الذي سيتحول بدوره، متى جن الليل وعنت الرقاب لسلطان الماحيا، إلى سجان يعبث بسجان النهار كما يشاء”.
وفي تقديم أحمد زنيبر، أستاذ التعليم العالي، للمؤلف الجماعي الجديد ذكر أن تكريم سعيد بنسعيد العلوي اعترافٌ “بما أنجزه هذا الكاتب من أبحاث ودراسات في مجال البحث العلمي الأكاديمي، وما خلفه من أعمال إبداعية جديرة بالقراءة والمتابعة. وهو مسار فكري وإبداعي متميز يشكل لحظة من لحظات النبوغ المغربي”.
وأضاف زنيبر: “استنادا إلى هذا الصيت الواسع الممتد، في الزمان وفي المكان، الذي ميز مسار الكاتب سعيد بنسعيد العلوي، تدريسا وبحثا وتأطيرا وتأليفا، يمكن اعتبار حضوره في المشهد الثقافي عامة علامة بارزة في النسيج الفكري والأدبي؛ فقد منح الخزانة العربية والمغربية، على حد سواء، رصيدا مهما من الإصدارات والمؤلفات، الفردية منها والجماعية، التي حققت انتشارا لافتا، وعرفت رواجا قرائيا ملحوظا، تمظهر في عدد من ردود الفعل، مساءلة ومحاورة”.
ثم أردف قائلا: “لذلك، لم يكن عجيبا أن تلتقي أقلامٌ، في محافل ثقافية متعددة، ومن مشارب ثقافية مختلفة، من أجل تدارس أعمال هذا المفكر المبدع، وقراءة أعماله، كل من وجهة نظره، وخلفيته المعرفية.
قراءات لا تخلو من إفادات وإضافات نوعية فتحت باب النقاش عاليا، وتسامت من خلاله بروح الحوار والجدل البناء. والواقع أنها مساهمات متنوعة وغنية بطروحاتها الفلسفية وأسئلتها الوجودية، حيث تأرجحت بين الفلسفة والفقه والفكر الإصلاحي، وبين التنوير والحداثة والتحديث، وبين السياسة والتاريخ والأدب، بل وفي الكتابة بشكل عام”.
