موازاة مع احتفاء أكاديمية المملكة، الثلاثاء، بعيد ميلاد الأيقونة الأدبية النيجيرية وولي سوينكا، اختار أكاديميون مغاربة بدورهم المساهمة فكريا بشهادات حول الأديب ذاته الذي ظل من أبرز المساهمين في مناهضة الديكتاتورية ونبذ العنصرية بالقارة الإفريقية، ضمن جلسة فكرية احتضنها مقر الأكاديمية ذاتها.

“مدافع عن الحقوق ومناهض لليبرالية وقائلٌ للحقيقة في مواجهة للاستبداد”… من أبرز ما سجله الأكاديميون المتدخلون في حق الحائز على جائزة نوبل سنة 1986 والذين اعتبروه “مثالا حيا للكاتب الذي يؤدي دوره بتسخيره لسلاح المعرفة من أجل مواجهة الديكتاتورية والدفاع عن الشعب ضد جشع الليبرالية”.
وتأتي هذه الشهادات بعد أن حظي سوينكا باحتفاءٍ من قبل أكاديمية المملكة إلى جانب جمعية الكتاب الأفارقة “باوا” حضره أعضاء المؤسستين وجمعٌ من الأدباء المغاربة ومبدعي القارة وطلابِ جامعاتٍ مغربية أقدموا على قراءة بعض من قصائده كمثال عن “تلاقي الأجيال ثقافيا”.

البداية مع حنان السعيدي، أستاذة جامعية بجامعة القاضي عياض بمراكش، والتي قالت إن “الحديث عن وولي سوينكا هو حديث عن رائد أدبي بالقارة أبدع خلال العقود السبعة الماضية وناضل من أجل الإنسان ودافع عنه ضد القهر والتعسف وانتصر كذلك للبيئة؛ وهو ما يجعل منه ظاهرة أدبية استثنائية بجميع المقاييس تشرّفُ القارة والأدب العالمي بشكل عام ويستحق منها مثل هذه اللحظة من أجل تكريمه”.
وأضافت السعيدي، ضمن كلمتها، أن الكاتب سالف الذكر “ظل نصيرا للشجاعة ولم ييأس أبدا من المستقبل؛ فبالعودة إلى أعماله سنجد أنه يتوفر على قاموس حقوقي وإنساني بدرجة أولى، حيث ما فتئ يعتبر آلام الآخرين آلامه كذلك، وانتقد بشجاعة واضحة ديكتاتورية السلطة النيجيرية فيما سبق وكان يرفض العبودية بشكل مطلق”.

ولفتت المتحدثة إلى أن “المُزداد بالتراب النيجيري كان يعتبر الإنسانية كموضوع مقدس يجب عدم المساس به بتاتا لكونه يتجاوز الثقافات والأديان ولا يمكن أن يتعرض لمساس الديكتاتوريات والسلط، في وقت استخدم أدبه وإبداعه لرفض العبودية الجديدة بنيجيريا وإفريقيا بشكل عام”، متابعة: “هو كذلك يمثل الكاتب الحقيقي الذي يمكنه أن يسخر كتاباته للحديث عن السلطة وجشع الليبرالية”.
من جهته، قال رفاييل لويجييه، أستاذ جامعي بكلية محمد السادس للبوليتكنيك ببنجرير، إن “قول الحقيقة باعتماد الأدب والثقافة يبقى من مظاهر الشجاعة، وهو ما ينطبق أساسا على الكاتب النيجيري وولي سوينكا”، متابعا:” كم من الحقيقة يحتاجها العالم، من كتاب وأدبائه ورواده؟”.

وأضاف لويجييه، ضمن شهادته في حق وولي سوينكا، أن هذا الأخير “كان مناهضا للكولونيالية المادية والاقتصادية والثقافية كذلك، حيث كان يخشى كثيرا هذه الأخيرة بالتحديد”، مرودا أن “كتابات سوينكا تعد مرجعا لكل من يريد رؤية العالم بعيون إفريقية”.
ضمن الجلسة الفكرية ذاتها، أكد نبيل جبار، أستاذ جامعي بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أن “الأبارتايد” كانت “من أهم التيمات التي اشتغل عليها سوينكا، حيث اشتهر بدفاعه عن الحرية وتسخير جل كتاباته لذلك، وكان يعتبر دائما أن الأبارتايد هو من مظاهر العار التي عرفها العالم خلال القرن العشرين”.
جبار، الذي كان يتحدث باستفاضة، أوضح أن “الأديب الإفريقي عبر بشكل مطلق عن رفضه للديكتاتوريات بالقارة.. ونتاجا لذلك اضطر إلى الفرار إلى الخارج خوفا من التصفية بعدما حكم عليه بالإعدا، وكان نصيرا لنيلسون مانديلا خلال فترة سجنه”، موردا أن “كل هذا جعل من سوينكا شخصية يتم الاحتفاء بها اليوم بشكل طبيعي لوجود ما يبرر ذلك”.

من بين المساهمين في هذا المحفل كذلك فاطمة بوزنيرح، أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة محمد الخامس بالرباط، والتي أفادت بأن “الأديب النيجيري يمثل الرؤية الإفريقية والغنى الثقافي المطلوب، حيث كان دائما مع السلام ونبذ التطرف والحرب، وهو من بين مظاهر التقاء الأدبي بالسياسي والمجتمعي، وهو أمر مطلوب أساسا في الكتاب على المستوى العالمي حتى تكون أعمالهم متناغمة مع ما يجري في محيطهم وما يعيشه المجتمع”.
وأكدت بوزنيرح، ضمن كلمتها بهذه المناسبة، بأن “الحديث عن الأديب ذاته لا يمكن أن يتم بدون الحديث عن نظرته للحرب العالمية والهيمنة، وهو ما يجري اليوم بعدد من أقطار العالم التي يسيطر فيها طرف على حقوق طرف آخر”، لافتة إلى “مناهضة سوينكا لكل مظاهر التعسف والشطط، خصوصا إن كان من قبل السلطة والطبقة الحاكمة”.

وتلت هذه الشهادات قراءة سارة العوفير، طالبة بالجامعة الدولية بالرباط، لمقطع قصير من آخر إصدار أدبي للأيقونة النيجيرية وول سوينكا؛ ما أنهى بذلك واحدة من أبرز التظاهرات التي احتضنها مقر أكاديمية المملكة لهذه السنة والتي خُصّصت لتكريم الكاتب سالف الذكر الذي يقص شريط بداية عقده العاشر في الثالث عشر من الشهر الجاري محتفظا لنفسه بوصف “المناهض للاستبداد المناصر للحرية والنابذ للتعسف وشطط الديكتاتوريات”.
