“هل ذهبت كل دعوات المقاطعة أدراج الرياح؟”، سؤال من بين أخرى تفرض نفسها بعد انتهاء شق من التظاهرات الصيفية الفنية التي سجلت في معظمها حضورا مكثا من قبل المواطنين، خلافا لما تم توقعه في وقت سابق بأن الفنانين سيكونون أمام منصات فارغة.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي خلال فترات سابقة إنزالا مكثفا لنشطاء طالبوا المغاربة بعدم حضور التظاهرات الفنية التي أقيمت ما بعد عطلة العيد، بدعوى “عدم تناسب ذلك مع تطورات الأحداث بغزة على سبيل المثال”، وهو ما تطور إلى درجة محاولة وصم كل متواجد بالمنصات بوصوم اعتبرت في عموميتها “صارمة وتنافي مبدأ الحرية”.
وبالعودة إلى تفاصيل هذه التظاهرات أسدل مهرجان “موازين” الستار على فعاليات دورته التاسعة عشرة بتسجيل حضور جماهيري فاق 2,5 ملايين متابع، حضروا السهرات التي أحياها أزيد من 200 فنان، وفقا للحصيلة التي كشفت عنها جمعية “مغرب الثقافات”، الجهة المنظمة للتظاهرة.
ومن العاصمة الرباط إلى مدينة الرياح الصويرة، التي شهدت ما بين 27 و29 يونيو تنظيم الدورة 25 من مهرجان “كناوة”، الذي احتفى بـ”ربع قرن من التفرد”، وذلك وسط حضور جماهيري تجاوز تعداده 400 ألف، وفقا لما كشفت عنه الجهة المنظمة.
ومن “موكادور” إلى مدينة أكادير التي عرفت خلال الفترة ما بين 4 و6 يوليوز الجاري إقامة فعاليات مهرجان “تيميتار”، الذي يحتفل هذه السنة بعيد ميلاده التاسع عشر، وشهد حضورا جماهيريا قُدّر بأزيد من 650 ألفا، خصوصا خلال السهرة الختامية لمجموعة “أودادن” التي عُدّت الأكثر جماهيرية ضمن هذه السنة.
شعب ميّالٌ للفرح
كواحد من المهنيين والباحثين في الشؤون الثقافية والفنية أكد محمد الأشراقي، في تعليقه على هذه الأرقام باستحضار جدل المقاطعة الذي أثير مسبقا، أن “المغاربة في طبعهم ميّالون للفرح، خصوصا إذا استحضرنا أن الحياة في نهاية المطاف عبارة عن ثنائية من الفرح والألم، ولا تستقيم حياة أي فرد بدون أن يكون هناك توازن بين هذين العنصرين، دون تغليب أحدهما على الآخر، فظروف معينة لا يمكنها أن تمنع المغاربة من منح أنفسهم فرصة للفرح”.
وأورد الأشراقي، الذي تحدث لجريدة النهار، أن “هذا لا يعني بطريقة مباشرة أن هناك عدم اكتراث بما يقع بالمحيط الخارجي للمملكة، بل إن الكل متأثر به، وهو نقاش يطغى دائما على النقاش العام”، مشيرا إلى “ما ذهب إليه البعض من أجل إثارة نقاش جانبي في هذا الصدد، كأجور الفنانين والتدقيق فيها وربطها بأمور أخرى”.
وهو يحاول تفسير ما وقع حتى امتلأت منصات المهرجانات رغم دعوات المقاطعة ذكر المهني ذاته أن “المغاربة لديهم تقسيم خاص لشؤونهم اليومية بين العبادة والعمل والفرح، ويؤمنون بشكل قوي بأن لكل مقام مقال وبضرورة عدم الخلط بين هذه العناصر الثلاثة، للحفاظ على أسلوب العيش نفسه الذي ألفوه منذ قرون”.
كما تحدث الأشراقي عن “إمكانية القول بكون الظروف التي تمت فيها إقامة التظاهرات هذه السنة أثرت نوعا ما في سيرها العادي ومنسوب إشعاعها بعد أن ظلت دائما من بين الفعاليات التي تعطي إشعاعا ثقافيا وسياحيا للمملكة، إذ نتحدث هنا عن مهرجانات تجاوز عمرها عقداً من الزمن، ومنها ما تجاوز العقدين”.
الواقع ينافي المواقع
من موقعه كعضو في الشبكات المدنية والشبابية وكمهتم بالشؤون الثقافية بالمملكة قال عبد الله عيد نزار: “من الطبيعي جدا أن تمتلئ المنصات التي احتضنت هذه الفعاليات، إذ لا يمكن الأخذ بمجمل الدعوات التي تضمنتها المواقع الاجتماعية في البداية، لأن الواقع يقول عكس ذلك، كما أن أقلية تسيطر على هذه المواقع لتجعل من نفسها أغلبية”.
واعتبر عيد نزار، مُصرّحاً لجريدة النهار، أن “المجتمع المغربي في بنيويته وبطبعه محب للفرح والترفيه كلما سنحت له الفرصة من أجل نسيان همومه ومشاغل الحياة، في وقت يبقى الإكراه على اعتزال لحظات الفرح ثقافة دخيلة”، موردا أن “إلغاء كل لحظات الفرح، بما فيها مباريات كرة القدم، لا يمكن أن يغير شيئا بخصوص قضايا محلية وإقليمية راهنية”.
وعاد المتحدث ليشير إلى أن “المغاربة لن يقبلوا فرض ثقافة جديدة عليهم في علاقتهم بلحظات الأفراح، بينما سجلنا أن من بين الأساليب التي تم اعتمادها ترويج أخبار كاذبة بخصوص الجهات الممولة لبعض المهرجانات، ومحاولة ربط ذلك بقضايا التنمية، فيما أنها في الأصل نتاج شراكات بين الجهة المنظمة والقطاع الخاص، ولا علاقة لذلك بالمال العام”، لافتا إلى أن “مواقع التواصل لا تعطي محددات صحيحة إذا ما استحضرنا أن الأغلبية الصامتة هي التي تحضر”.