القصري: فن كناوة متعطش للمهرجانات .. و”تمعلّميت” انتهت مع الجيل السابق

القصري: فن كناوة متعطش للمهرجانات .. و"تمعلّميت" انتهت مع الجيل السابق
حجم الخط:

قال “المعلّم” حميد القصري إن الازدهار الذي عرفه الفن الكناوي في المغرب يتطلب اليوم التفكير في تنظيم مهرجانات تجمع ‘المعلّمية’ في مدن لديها توقيع خاص داخل ورقة “تكناويت”، بالبلد الذي “كرس نضالا ثقافيا كبيرا” لأجل نيل اعتراف اليونسكو بكناوة كتراث لامادي للإنسانية، وسجل أن هذه التظاهرات المحلية ستكون ملحقة بمهرجان الصويرة الذي سيبقى هو الحاضن الحصري والراعي الأول.

وأضاف الفنان الكناوي البارز في دردشة مع جريدة النهار أن الجيل الجديد من الفنانين الكناويين الصاعدين سيكون لهم “باع طويل” في هذا الفن؛ ودورهم “مرشّح” لأن ينفلت من الحد الأقصى الذي بلغه السابقون ويكون خلفاً يستحقّ أن يحصّن هذا الإرث الروحي والثقافي ويوفر شروط المحافظة عليه واستمراريته في زمن تعرف فيه توقيعات فنية كثيرة التفتت بسبب الإهمال.

وزاد القصري: “لم يعد ممكنا الحديث عن ‘تمعلّميت’ لدى الجيل الصّاعد بالحدة القديمة نفسها، لكونها انتهت بشكلها السابق، بما أن ظروف التعلم تختلف، وصار كل شيء سهلاً اليوم بفضل الفورة التقنية التي جعلت مواقع التواصل الاجتماعي من حوامل الأغنية الكناوية”، وأبرز أن الفنانين الجدد يستحقون التفوق، لكن ذلك يظل مرتهنا بالقدرة على الإبداع والاجتهاد.

نص الحوار: هل تعتبر أن شهرتك انعكست أيضا على منح المزيد من الإشعاع لمهرجان كناوة وموسيقى العالم بحكم مشاركتك سنويّا؟

في الحقيقة لا أعتبرني وحيدا في هذه المهمة. كل “المعلمية” الكبار لعبوا هذا الدور، بمن فيهم مصطفى باقبو ومحمد كويو والراحل حميدة بوصو، إلخ، وكثير من الفنانين الذين أدوا عروضا كناوية فوق منصة المهرجان منذ بدايته. لاحظنا أنه سنة بعد سنة يتحسن الحدث شكلا ومضمونا، بشكل جعل “تكناويت” تتخذ مساراً حاسماً.

وبالنسبة لتجربتي فقبل المشاركة في فعالية الصويرة أصدرت أشرطة صوتية، وحاولت تبسيط كناوة حتى يستطيع الناس فهمها. وواضح أن ملتقى كناوة بالصويرة منح ما بدأته قوة كبيرة. لم أكن في الدورة الأولى لانطلاق الحدث قبل 25 سنة، ولكنني حاولت العمل لكي أضيف أشياء جديدة لهذا اللون، وسنة بعد سنة صرت أتحسن في الأداء حتى صار الناس اليوم يحبّون حميد القصري، ويحبون أن ينصتوا إليه ويحضروا حفلاته في مختلف الأماكن.

ألا تعتبر أنه حان الوقت لتكون لدينا في المغرب مهرجانات مصغّرة تحتفي بكناوة وتكرس “دمقرطة” الولوج إليها؟

جمعية يرمى كناوة التي تشرف على هذا الحدث في الصويرة تعقد اجتماعات مع “المعلمية” في مدنهم، وتستفسرهم في حال كانت هناك إرادة حقيقية لتنظيم ملتقيات محلية تنضوي تحت مهرجان كناوة وموسيقى العالم المنعقد في “مدينة الرياح” الذي يعد هو المنارة الكبرى.

أتصور أنه ليست هناك أي مشكلة في أن نفكر في مهرجانات أخرى تنظم في مراكش والقنيطرة وغيرهما من المدن التي تحمل تاريخا كناويّا. خمسة مهرجانات لكناوة بالمغرب مثلا ستكون فكرة جيدة، لكي نضمن منابعا إضافيا لتجمع “المعلميّة”. كناوة أصبحت اليوم ذوقاً لدى جماهير عريضة لن تدخر جهدا لحضور أي فعالية ثقافية ستحتفي بهذا الفن.

ما رأيك في هذا الجيل الصاعد الآن الذي أصبح يمنح أفقا جديدا لـ”تكناويت” بالمغرب من خلال إتقان “الكمبري”؟

أتصور أنه إذا كان هناك اجتهاد وعمل فسيكون الصاعدون أهلا بلا منازع، ليس لحمل مشعل تكناويت فحسب، بل أن يتجاوزوا أفق كل ما أنتجه “المعلميّة” الأولون. الأمر يحتاج إلى الجدية، والعمل، ومن يزرع يحصد. ومن لا يعمل بالأسباب لا يجد نتيجة. كل الحكاية متوقفة على التفاني والتضحية. هذا الجيل بالفعل لديه مؤشرات قوية، لكنه يحتاج إلى الجدية في الاشتغال. يجب التعلم. كل شخص يحتاج أن يغدو على الشكل الذي يريد، لكن لا أحد ولد “معلّم”. هناك مواهب نوعية صاعدة تجعلني أطمئن على أفق هذا الفن، ومتفائل بأن الكثيرين يحترفونه.

لكن أريد أن أشير إلى أن “تمعلميت” ذهبت مع الأوائل. اليوم توجد مواهب، منتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي وفي “اليوتوب”، إلخ. نحن في السابق كنا نتعلمها بالضرب. كان حفظ الأغاني صارما للغاية؛ وكان الأمر يحتاج أن تكون مثل عبد حتى تكون هناك نتيجة. الإنصات والتربية والأدب كانت كلمات مفتاحية حينئذ، بيد أن الزمن مختلف الآن؛ فالجيل الحالي لديه آفاق أخرى. نحن عشنا في “الليالي” و”الجدبة”. وأما في هذا العصر فكناوة منتشرة والعمل بها متاح لمن يستطيع إتقانها، ونحن نصادفها في المطاعم والفنادق وفي ساحة جامع الفنا وغيرها.

ماذا عن الصوت النسائي الذي بدأ يظهر في حقل كناوة، ما أهميته بالنسبة إليك؟

أنا ألاحظ أن هناك حقا وجوها نسائية جديدة صاعدة في “تكناويت”، فتيات ما فتئن يقبلن على تعلم كناوة، وتعلم الأداء باعتماد آلة الكمبري. هناك منهن من لا يظهرن أو لا تسلط عليهن الأضواء ولكنهن موجودات بالفعل. ونحن نعرف اليوم فنانات محترفات كـ”المعلّمة” أسماء حمزاوي وهند نعيرة، إلخ. كما أننا نتريث أن تحمل هؤلاء النساء المشعل من خلال أن يتكرس المزيد من الصوت النسائي في حقل كناوة تماشيا مع هذا الزخم الكبير الذي تعرفه منذ اعتراف اليونسكو بالفن الكناوي كتراث لامادي للإنسانية.