على أنغام إيقاعات ورقصات شعبية أداها طلبة قمريون بالمغرب انطلقت مساء أمس الأربعاء بمقر أكاديمية المملكة المغربية بالرباط أشغال ندوة دولية تحت عنوان “جزر القمر أفقا للتفكير”، وذلك بحضور أعضاء من الأكاديمية وشخصيات دبلوماسية. ويهدف هذا الحدث الأكاديمي إلى إبراز المؤهلات الثقافية والاقتصادية لهذا البلد الإفريقي وتعزيز عمق الروابط التاريخية والدينية التي تجمعه بالمغرب.
مستودع حضاري و”جزر العطور”
محمد الكتاني، أمين السر المساعد وعضو الأكاديمية، قال في كلمة ألقاها بهذه المناسبة نيابة عن عبد الجليل الحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة: “لقد شعرت بأنني محمول بسعادة غامرة وشوق ظامئ لهذه الجزر عندما اقترح علي أخي السيد محمد أمين صيف الذي كان آنذاك وزيرا لخارجية جزر القمر تنظيم ندوة تعريفية ببلاده، ولذلك لعاملين اثنين”.

أول العاملين، يضيف الحجمري، أن “القمر الذي نُسبت إليه هذه الجزر يحمل في مخيال الشعر العربي رموزا دالة على السمو والجمال والنور المضيء للظلمة، فرأيت في هذه الجزر التي لم أزرها بعد صفاء النفوس وجمال الطبيعة وقيم العيش المشترك”؛ والعامل الثاني هو “مواصلة تفعيل مشروع الحفريات التي ساءلنا بها مفهوم الخصوصيات الحضارية وتحدياتها في دوراتنا التي نظمناها تحت عنوان إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية آفاقا للتفكير، وعيا منا بما تعرفه هذه المجتمعات من آثار إنسانية جديرة بالتعرف”.
وأضاف أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة: “في هذا السياق أقول إنه آلمني عندما وقفت في قراءة عجلى لمخزن التراث الثقافي والحضاري لجزر القمر أن أرى كنوزا للتراث الثقافي الفكري والمادي لم تنل حقها من عناية الباحثين والمؤرخين، تحقيقا لمخطوطاتها وجمعا لما تناثر في خزائنها”، موردا: “مساءلة المنتج المعرفي القمري أكدت لي حقيقتين اثنتين هما أولا ما قلت وأقوله بأن كل المجتمعات البشرية لديها من العطاءات الإنسانية والخصوصيات الإبداعية ما يمكن أن تمنحه للحضارات الأخرى، وأن الحضارات هي ثمرة عقليات مختلفة ترجع إلى أصول متباينة، لذا فهي محكومة بحتمية الحوار والتفاعل وليس بحتمية الصراع والتصادم”.

وأكد الحجمري في كلمته أن “النسيج الاجتماعي القمري بثقافته وتساكنه الاجتماعي وتماسكه الأسري يحمل قيما صالحة للتصدير إلى عالم يعاني نسيجه الأسري من تدهور قيمي”، مسجلا أن “جزر القمر مستودع حضاري غني يختزل في ذاكرته عطاءات مازالت شاهدة على نبوغ عربي في الثقافة الإسلامية والأدب العربي والطرق الصوفية وفي الآثار العمرانية والشعرية والأذكار الدينية”.
وأشار صاحب الكلمة إلى أن “سحر طبيعتها الغنية بتنوع فواكهها وأشجارها وغنى أسماكها كسمكة السيليكانت النادرة في العالم، التي كان يعتقد أنها انقرضت مع الديناصورات قبل ملايين السنين، وتم العثور عليها في سواحل البحار القمرية، جعل البعض يسمونها، ونظرا لما تمتاز به أيضا من سمة أخلاق أهلها وعطور أشجارها، بجزر العطور، فيما سماها آخرون جنة الله فوق الأرض”.

وشبه أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية هذا البلد الإفريقي بـ”المدينة الفاضلة التي حلم بها الفلاسفة، لما يتميز به مجتمعه من قيم التسامح والأمن وأخلاق العيش المشترك وحفاوة الضيافة، وبما تسمو به نفوس أهله عن مذلة التسول”، مسجلا أن “السلاطين الذين حكموا هذه الجزر رسخوا للوجود الحضاري العربي فيها بما تركوه من آثار تمثلت في مخطوطاتهم وعلمائهم وفي عاداتهم وألبستهم وعائلاتهم العربية كآل أهدل وآل العلوي وغيرها”.
علاقات متجذرة وشواهد تاريخية
من جهته قال يحيى محمد إلياس، سفير اتحاد جزر القمر بالمملكة المغربية، في كلمته أمام الحضور: “إن العلاقات المغربية القمرية متجذرة في التاريخ منذ القدم، فمازلت أذكر منذ طفولتي كيف أحب القمريون في مدغشقر المغفور له الملك محمد الخامس الذي اعتبروه أبا روحيا لهم، بل هناك قمري اسمه شجاع كان ملازما للملك”.

وأضاف المسؤول الدبلوماسي ذاته أن “الطريقة الشاذلية التي تعد من أكبر الطرق الصوفية في الجزر القمرية وذات الأصول المغربية مازالت منتشرة في كل ربوع البلاد، كما مازال مسجد فاس شاهدا على هذه الروابط التاريخية والثقافية التي زادت متانة في عهد المغفور لهما الملك الحسن والرئيس أحمد عبد الله عبد الرحمن طيب الله ثراهما”.
وتابع محمد إلياس بأن “هذه الروابط عرفت قمة قوتها ومتانة روابطها في عهد جلالة الملك محمد السادس والرئيس عثمان غزالي أيديهما الله”، موردا أنه “رغم فترة الاستعمار التي ابتلي بها بلدنا من سنة 1841 إلى غاية 1975 فإن التراث الثقافي الذي مازال قابعا في المكتبات الخاصة والعامة، كالمخطوطات الفقهية والأدبية والمؤلفات التي ألفها القمريون في علم الأنساب، مازالت تشهد على حضارة أقامها علماء وشعراء ومفكرون وأمراء كان لهم باع طويل في اللغة العربية والثقافة الإسلامية”.

ولفت المسؤول الدبلوماسي ذاته إلى أن “القمري يتألم إذا رأى شيئا مكتوبا باللغة العربية مرميا على الأرض لأنها لغة ترتقي عنده إلى مرتبة القداسة باعتبارها لغة القرآن الكريم”، مسجلا على صعيد آخر أن “المغرب سيظل المثال الذي يقتدى به في دعم قضايانا التنموية والثقافية، إذ إن صاحب الجلالة الملك محمد السادس يولي أهمية كبرى للتعليم والصحة والتنمية التي هي عماد تطور البلدان والمجتمعات”.
هذا واختتمت أشغال اليوم الأول من هذه الندوة الدولية بإلقاء سلطان شوزور، الباحث في الأنثروبولوجيا والسفير الممثل الدائم لجزر القمر لدى الأمم المتحدة، محاضرة استعرض من خلالها أبرز التحديات والرهانات الوطنية والدولية التي تواجه بلاده باعتبارها بلدا ناميا، على غرار التحديات الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية والبيئية، قبل أن يعيد الطلبة القمريون إتحاف مسامع الحاضرين بأغنية ورقصة تقليدية محلية تسمى “شيكوما”.
