مؤلف جماعي جديد يكرم كتابات أفاية

مؤلف جماعي جديد يكرم كتابات أفاية
حجم الخط:

تفكير في منجَز أحد أبرز أعلام الدرس الفلسفي بالمغرب والعالم العربي، الأكاديمي والمفكر محمد نور الدين أفاية، يحضر في كتاب جماعي جديد، تحضر فيه أسماء بارزة، صدر عن مؤسسة آفاق، ونسّقه محمد الشيكر، ويوسف مريمي، وعبد الواحد آيت الزين.

شارك في هذا الكتاب كل من: عبد الصمد تمورو، عبد الإله بلقزيز، عادل حدجامي، محمد الشيخ، يوسف بن عدي، شرف الدين ماجدولين، عبد اللطيف فتح الدين، ابتسام براج، محمد الشيكر، صلاح بوسريف، ياسين عدنان، نبيل فازيو، عبد الواحد آيت الزين، يوسف مريمي، مولاي حسن الوفاء، حسن المكراز، أسماء عريش، يوسف أقرقاش، يسرى الهراق، ونور الدين الولاد.

في كتاب “الفلسفة والتفكير بالفعل في كتابات محمد نور الدين أفاية”، قال الأستاذ الباحث عبد الإله بلقزيز: “يشغل الصديق الأستاذ نور الدين أفاية، اليوم، مكانة معتبرة في الفكر العربي المعاصر، اجْترَحها لنفسه باستحقاق علمي فكان بها جديرا. تآليفه تشهد له بذلك: في دوائرها التخصصية وفي تنوعها الموضوعاتي والإشكالي. ولا جرَم أنه ما احتاز المنزلة التي استباءَها إلا بإنفاقه المقدار العظيم من الجلَد والدأب والإكباب على الدرس والانقطاع له انقطاع العابد في محرابه”.

وزاد: “هو، اليوم، من الفلاسفة المغاربة والعرب الأغزر إنتاجا والأطول باعا في مجالدة أمهات المسائل في الفلسفة والثقافة والاجتماع (…) تمتد سَعة هواجسه الفكرية، أفقيا، على مدار مروحة من المسائل تقع بين فلسفة التواصل، وفلسفة الصورة، والفكر السياسي، وعلم الاجتماع الثقافي، وتاريخ الفكر العربي المعاصر، وجداليات الأنا والآخر، الهوية والحداثة، مع هجس دائم بأدوار الخيال والتمثلات المتخيَّلة في بناء الأفكار والصور النمطية، مع ما تُلقيه مفعولية المُتخيّل من آثار على عمليات التثاقف والتمثل المتبادَل بين مجتمعات وثقافات”.

وأكّد بلقزيز أن “نور الدين أفاية واحد من أميز هؤلاء المفكرين المغاربة والعرب الذين ما ترددوا في المسير نحو هذا الخيار، فكان منهم أنِ ارتادوا هذا الأفق الفكريّ مسربَلين بالوعي التركيبي وأدواته: الوعي الذي يشدّد على القول إنه لا مندوحة للفكر عن سلوك سبيل وعي الظواهر المركَّبة بتوسُّل وعي تركيبيّ، لأنه وحده، على الحقيقة، الوعيُ وما دونه أدنى مرتبة ونِصابا.”

الأستاذ الباحث محمد الشيخ كتب من جهته أن أفاية “هو التجسيد الأمثل للفيلسوف الحسي الذي ما فقد عقله الفَقد، وللفيلسوف الناقد الذي ما تخلى عن ذائقته التخلي”، كما شهد على أنه “شخصية محبوبة ودودة لطيفة، توليفة بديعة بين ثقافة غربية وثقافة عربية معاصرة، سعة أفق واهتمامات بما هو غير مطروق في الثقافة العربية المعاصرة: المتخيل، الجسد، الصورة…”، مع “انفتاح على المواهب الفكرية الشابة، عرفانا منه لها بما تستحقه، وعملا بمبدأ القدماء الخلقي: لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل”.

صاحب “كتاب الحكمة العربية” شهد أيضا على “الطريقة الأفاييّة في الحياة وفي الفكر”: “أناقة في المظهر والمخبر، طراز عيش تجمّلي ظريف، نمط تفكير على جدلية ‘العلم المرح’، نزوع إلى سخرية لذيذة من الغير وحتى من النفس (…) وهي الطريقة التي باتت أهم ملامحها تتمثل في أنها تنفر من العيش في المعتكف، وتروم الحياة في المحترف، وتهرب من الفكر المجرَّد، وتروغ إلى الفكر الحسي، إلى فكر يعمل حواسه؛ وخاصة منها حاسة البصر”.

الأستاذ الباحث عادل حدجامي، كتب مقدّماً الكتاب الجماعي أنه واليوم التكريمي لفكر محمد نور الدين أفاية بجامعة محمد الخامس بالرباط جاءا “تأكيدا لتقليد ينبغي بعثه، وإحياء لقيمة وجب تذكّرها”؛ فنهضت “شعبة الفلسفة بالرباط، وفي جملتها بعض من الأساتذة الشباب الذين طهّروا أعينهم من كل قذى، وقلوبهم من كل شائبة، لوصل عروة انفصلت وقيمة امحت أو تكاد، هي قيمة الاعتراف”.

وقال حدجامي إنّ محمدا نور الدين أفاية “مناضل وجودي لأجل يقظة الحواس”، ومجسّدٌ لوعيه بأن: “‘المعرفة’ طريق إلى شيء أهم، وأن الفلسفة ‘عِلمٌ مرِح’، لهذا فأفاية ليس مجرَّد ‘مثقَّف’، أقصد ليس ‘حقيبة معلومات’؛ ولا هو بالأولى ‘إمام’ لعقائد يبحث عن قطيع مريدين يقودهم إليها، أقصد ليس داعية إيديولوجيا؛ أفاية ‘يحيا لذاته’، وهو في هذا لا يحتاج ‘أتباعا’”.

وتابع المقدِّم: “لم يقدم أفاية نفسه يوما باعتباره ‘أستاذا’ أو ‘كائنا أكاديميا’ (…) لا يورث الاستعداد ‘إلى العلامات’ أي أستاذية، لكنه قد يورث عشق ‘التعليم’، قد يجعلك هذا الاستعداد ‘معلّما’ بالمعنى اللغوي (الذي يصف ‘للقادمين صُوَى الطريق’) والفلسفي (ليس مجرد ‘حامل علم’، بل المجسّد عمليا له)، والأخلاقي (المعلم ليس رجل سلطة أخطأ الطريق فصار ‘سلطة’ في المعرفة)”.

لكن، “هناك أمر ‘تتواطأ فيه الصفة مع الفعل’ عند أفاية، وهو علاقة المسؤولية التي يبني مع طلبته، مسؤولية تترجم في أمرين اثنين يبدوان متباعدين ظاهرا: الجدّ الذي يجعله يطلب منهم ‘معرفيا’ أرقى ما فيهم (…) والودّ الذي يجعله يبذل لهم ‘أخلاقيا’ أرقى ما فيه”.

وكتب حدجامي: “قد نعتقد أن الفلسفة طريق للوصول، وأنها باعتماد مجرد ‘منهج سليم’، نصل فيها إلى الحقيقة”، وهذا “تصور ساذج”؛ فـ”الفلسفة مبرد وليست سكّينا؛ الفلسفة شحذ لنصل وليست هي النصل؛ الفلسفة تعطيك بقدر ما جئتها ممتلئا باحترام الحياة”.

ثم أجمل قائلا: “أفاية أتى إلى ‘هذه الفلسفة’ بغاية الحياة: ‘ما فائدة فلسفة لم تعلّمك كيف تكون نبيلا؟’، أو هذه عبارته التي قالها لي مرة ترجمة لحكمة الفيلسوف القديم ‘الفلسفة أن تتعلم كيف تحيا، ثم كيف تموت’. عند هذا المستوى من ‘المسؤولية’ تجاه الحياة، تصير المعارف والدروس، والكتب والطّروس، كلها تعلّة وسببا، أو قل وسيلة، إلى شيء أكبر، كل ما كتب أفاية وسيكتب، وقد كتب عشرات النصوص من كل فن، كله كناية على شيء أهم، هو هذا الذي يبذله، وهذا الذي يشهده من أمره، هذا الذي يلقاه من العالم، ويتلقّفه من عَلامات”.