متابعة مغنّي “الراب” بالقانون الجنائي تقلق حقوقيين وسط مطالب بعقوبات بديلة

متابعة مغنّي "الراب" بالقانون الجنائي تقلق حقوقيين وسط مطالب بعقوبات بديلة
حجم الخط:

قسّمت الأحكام القضائية الصادرة في حق بعض مغني “الراب” آراء تنظيمات حقوقية، إذ ترفض بعضها بشكل نهائي متابعة المعنيين بملفات تدخل ضمن خانة الحق في التعبير بـ”تهم ثقيلة”، مطالبة باعتماد مدونة الصحافة والنشر في هذه القضايا، لكونها ترتبط بـ”أفعال جرمية ذات طبيعة خاصة”، وفق الداعين إلى هذا الطرح.

جهات حقوقية أخرى تمسكت بكون بعض المواضيع التي تدخل ضمن قضايا التعبير “تتلبّس لبوساً جنائيّا”، يستدعي أن يتوسل القضاء مقتضات القانون الجنائي المغربي للبتّ فيها؛ وهو الرأي الذي ظهر عقب صدور شريط الأغنية المعروفة بـ”شر كبي أتاي”، التي حوكم صاحباها بسنتين حبسا نافذا لكل واحد منهما (أربع سنوات)، وبعدها أغنية “شر كبي هواي”، التي توبع صاحبها بالحبس النافذ لمدة سنتين.

“عقوبات ثقيلة”

عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، قال إن “متابعة بعض المغنين تستبطن معضلة حقيقية يعيش على إيقاعها المجتمع المغربي للأسف الشديد”، موردا: “كحقوقيين نقر بأن الإبداع الغنائي هو تعبير فني عن الرأي، وبالتالي يفترض مبدئيا أن تكون محاكمة هؤلاء في إطار القانون رقم 13-88 المتعلق بالصحافة والنشر، خاصة أن هذه الأغاني انتشرت حصريا في مواقع التواصل الاجتماعي”.

واستدرك الخضري، في تصريحه لجريدة النهار، ملتقطا الأغنيتين اللتين ذكرتهما الجريدة، ليوضح أن “مضامينهما مليئة بالتحريض المباشر على اغتصاب القاصرات وعلى تسليع الفتيات واحتقارهن لكونهن من السهل التلاعب بمشاعرهن والاستمتاع بهن وتقاذفهن”، معتبرا أن ذلك يعبر عن “أزمة أخلاقية وسلوكات شاذة تعكس مدى الانحراف والميوعة الأخلاقية التي تغولت في عقول الأجيال الصاعدة في مجتمعنا، كما تعكس ثقافة التنمر التي أصبحت نمط تفكير وسلوك”.

وحسب الحقوقي ذاته فإن “هذا الجيل يتصدى لبعضه البعض من خلال مظاهر انحراف شاذة، كالوشم في أنحاء الجسد والغناء بألفاظ نابية والتلفظ بكلمات ساقطة أثناء نقاشاتهم وسجالاتهم التي تتطور إلى اقتتال في الكثير من الأحيان”، وزاد: “أصحاب ‘شرر كبي أتاي’ أو ‘كبي هاواي’ أو ‘حركي داك الطرف’ ليسوا استثناء، إذ سبق أن انتشرت قضية شخص آخر معروف بلقب ‘طوطو’، أدت به إلى المتابعة القضائية”.

وتابع المتحدث: “الخطير في الأمر أن مواقع التواصل الاجتماعي مثل ‘تيك توك’ و’يوتوب’ أصبحت مصدر اغتناء من خلال نشر أعمال يعتبرونها فنية، بفضل اجتذابها أعدادا هائلة من المشاهدات. والمضحك المبكي في قضية أصحاب ‘شرر كبي أتاي’ أن محتالا آخر غريبا استطاع سرقة الأغنية فور نشرها ثم أعاد نشرها في قناته وحقق منها أربحا مالية مهمة، في وقت اكتفى أصحابها بالحصول على الشهرة والسجن”.

وأجمل الخضري قائلا: “إنها حالات لا يمكن أن تعكس أخلاق المجتمع المغربي، لكنها حاضرة بقوة في أذهان الأجيال الصاعدة للأسف الشديد، بسبب غياب الإبداع الهادف والبناء”، مشيرا إلى أن “الإبداع في مجالات الموسيقى والرياضة والتمثيل أصبح نقطة الجذب الرئيسية في أذهان الأجيال الصاعدة، على حساب الإبداع في مجالات العلوم وفي تهذيب النفوس وتخليق الحياة العامة والخاصة وفي الأعمال الاقتصادية الناجحة، وهو ما يعكس انتكاسة منظومة القيم ببلادنا. ويبدو أن للسياسات العمومية يدا طولى في هذا المنحى الكارثي”.

“عقوبات بديلة”

إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، قال إن الرابطة كانت تواكب اعتقال ومتابعة مجموعة من مغني الراب والحكم عليهم بعقوبات سجنية “متشددة وغير سليمة”، مؤكدا أن “الرابطة مؤمنة بالحق في التعبير والرأي وفي حرية الكلام الغنائي، وهي حقوق أساسية مكفولة بحكم العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه المغرب”.

وأورد السدراوي، في حديثه لجريدة النهار، أن “الجهات الحقوقية إذ تؤكد على حرية التعبير فهي تدين كل أنواع خطابات الكراهية والتحريض على القتل وعلى الفساد والاتجار بالبشر”، مشددا على أن “الوضع الذي بلغته بعض أشكال الغناء يتطلب تنظيم هذا المجال في إطار قانوني واضح يرتب بعض الجزاءات المادية والمنع من ممارسة أنواع الغناء المذكورة حين تمس بكرامة المرأة أو بالطفولة أو غيرها”.

وفي الصدد ذاته أكد المتحدث على ضرورة “عدم التمييز بين المغنين وفعلهم الجرمي، لأن الفعل الجرمي يرتكبه العديد من المغنين ولكن يتم استثناء البعض ومتابعة البعض”، مسجلا مرة أخرى حاجة البلد إلى “ثورة حقيقية في ترسانته القانونية حتى تواكب أولا المقتضيات الدولية، وتستدمج العقوبات البديلة التي تستخدم في مثل هذه الحالات في العديد من الدول، بحيث لا يتم إنزال عقوبات ثقيلة مثل السجن، بل يتم مثلاً المنع من التنقل إلى مدن أو من تنظيم سهرات”.

ولفت الحقوقي ذاته الانتباه إلى “غياب الزجر في هذه الأحكام، خصوصا حين تكون هناك حالات عود أو حين تكون هناك حملات تضامن بين ‘الروابة’، ويعيدون تدوير تلك الأغنية التي تصبح موجودة رغم معاقبة صاحبها”، معتبرا من جهة أخرى أن “هذا الشكل من الفن له جمهور ويحتاج إلى تأهيل قانوني وأخلاقي وأن تفتح أمامه المهرجانات في ظل شروط وضوابط متفق حولها، مثل عدم المس بالمرأة، وعدم المس بالقيم الدينية، وعدم المس بالذات الإلهية، وعدم تشجيع الشباب على تناول المخدرات والمؤثرات العقلية، وكذلك عدم الدعوة إلى الكراهية والعنف والبيدوفيليا والقتل”.