لجوء المغرب إلى سندات السوق الدولية .. ضغط السيولة ومخاطر واردة

لجوء المغرب إلى سندات السوق الدولية .. ضغط السيولة ومخاطر واردة
حجم الخط:

استفزت تصريحات نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، محللي بنوك الأعمال ووكالات التصنيف الائتماني الدولية وخبراء الاقتصاد، بعدما كشفت عزم الحكومة إصدار سندات في السوق الدولية خلال الأشهر القليلة المقبلة، بعد أكثر من سنة على آخر عملية مماثلة أنجزتها، حيث تسعى من خلال هذه الخطوة إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، هي تخفيف العبء على الدين الداخلي وتحسين التصنيف الائتماني وتوفير السيولة الكافية لتمويل المشاريع الكبرى.

وتطرح الخطوة المالية الجديدة تساؤلات حول مكاسب وخسائر المغرب من الخروج إلى السوق الدولية لإصدار سندات دين في ظل الظرفية الاقتصادية العالمية الراهنة، التي تتسم بتفاقم تداعيات التضخم واضطراب سلاسل التوريد والإنتاج والتوترات الجيو-سياسية المتأججة في أكثر من منطقة، فيما تراهن الحكومة على استثمار نجاحها في آخر عملية إصدار أنجزتها خلال مارس 2023، عندما أصدرت ما مجموعه 2.5 مليار دولار عن طريق بيع سندات لأجل خمس سنوات و10.5 سنوات.

ومنذ آخر عملية إصدار في السوق الدولية إلى الآن، سجلت وضعية الدين العام تحسنا طفيفا مقارنة مع 2022، إذ استقر عند 71.1 في المائة من الناتج الداخلي الخام (PIB)، مقابل 71.6 في المائة، رغم ارتفاع الدين الداخلي بـ12.1 مليار درهم (1.7 في المائة) خلال السنة الماضية، وتطور الدين الخارجي بـ23.7 مليار درهم، إلى 253.2 مليار درهم (10.3 في المائة)، لتظل مستويات الدين ضمن نطاق الأهداف المحددة في 70 في المائة و80 بالنسبة إلى الدين الأول، و20 في المائة و30 بخصوص الفئة الثانية من الدين.

ضغط السيولة

يواجه المغرب ضغطا على مستوى السيولة النقدية لغاية تمويل المشاريع الكبرى، مثل برنامج الدعم الاجتماعي وبرنامج الدعم المباشر للسكن، وكذا مشروع التغطية الصحية، والأوراش الكبرى المرتبطة بالاستعداد لاحتضان نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2030، ويراهن على الخروج إلى السوق الدولية من أجل إصدار سندات دين لتحصيل سيولة فورية، وتخفيف الضغط على الدين الداخلي والحفاظ على توازن الخزينة.

وأفاد رشيد قصور، خيبر في المالية العمومية، بأن الظرفية الراهنة للسوق الدولية غير مستقرة ومعدلات الفائدة في ارتفاع، إلا أن هذا الأمر لا يمنع من إصدار سندات في السوق، باعتبار أن الجهة المقرضة لا تمثل مخاطر كبيرة وتتمتع بضمانات عالية بالنسبة إلى المستثمرين، مؤكدا أن الحكومة بحاجة إلى 40 مليار درهم سنويا لتغطية التزاماتها المالية، مشيرا إلى الخطوة الأخيرة التي خطتها الحكومة في اتجاه تفعيل تقليص الدعم التدريجي عن المواد المدعومة في إطار منظومة المقاصة، عبر زيادة 10 دراهم في سعر قينة الغاز من فئة 12 كيلوغراما، من شأنها توفير ملياري درهم سنويا لفائدة الخزينة، أي 6 مليارات درهم في غضون 3 سنوات المقبلة.

وأضاف قصور، في تصريح لجريدة النهار، أن إصدار السندات في السوق الدولية سيتيح للحكومة الاستفادة من تدفقات نقدية كبيرة من المستثمرين الأجانب، موضحا أن هذه التدفقات ستوفر سيولة إضافية يمكن استخدامها لتمويل المشاريع الهيكلية أو الاستثمارات الخاصة دون الحاجة إلى اللجوء إلى الموارد المحلية، ما يخفف الضغط على السيولة المحلية، مشددا على أن توفر تمويل خارجي يمكن أن يؤدي إلى استقرار أو خفض أسعار الفائدة محليا، إذ يقل الاعتماد على الاقتراض الداخلي، فيما ستشجع أسعار الفائدة المنخفضة على الاقتراض والاستثمار المحلي، ما يزيد من السيولة المتاحة في السوق.

وأفاد الخبير في المالية العمومية بأن نجاح عملية إصدار السندات المرتقبة سيعزز التصنيف الائتماني للمملكة، منبها إلى أن تحسين التصنيف يمكن أن يؤدي إلى شروط تمويل أفضل في المستقبل، ما يقلل من تكلفة الاقتراض ويوفر المزيد من السيولة، مؤكدا أن إصدار السندات يمكن أن يخفف أيضا الضغط على العملات المحلية؛ ذلك أن تعبئة التمويل من الخارج ستقلل الطلب عليها، ما سيساعد على استقرار سعر الصرف ويعزز الثقة في الاقتصاد.

مخاطر محتملة

يعتبر المغرب من الدول الأعلى تصنيفا في أفريقيا مع سندات مستحقة باليورو، تحسنت جودة ائتمانها بانخفاض الفارق على الدين الحكومي بالدولار إلى أكثر من النصف، منذ أن وصل إلى أعلى مستوى له منذ 20 سنة في يوليوز 2022، إلا أن هذه المعطيات الإيجابية لا يمكن أن تخفي واقع المخاطر المحتملة التي يمكن أن ترافق عملية إصدار سندات دين في السوق الدولية خلال الفترة لمقبلة.

وبالنسبة إلى محمد أمين الحسني، خبير اقتصادي، فإن ارتفاع أسعار الفائدة في ظل مستويات التضخم العالية، يفرض على البنوك المركزية عادة زيادة أسعار الفائدة لكبح التضخم، ما يؤدي إلى رفع تكاليف الاقتراض على السندات الجديدة، وبالتالي يجعل التمويل أكثر تكلفة، موضحا أن عملية إصدار سندات في السوق الدولية المرتقبة من قبل الحكومة يمكن أن تواجه مشكل تطور هوامش الفائدة؛ ذلك أن المستثمرين يطلبون علاوات أعلى لتعويض المخاطر المرتبطة بالتضخم والتوترات الجيو-سياسية، ما يزيد من تكلفة إصدار السندات.

وأكد الحسني، في تصريح لجريدة النهار، أن العملية الجديدة محفوفة بخطر تحويل العملات؛ ذلك أنه إذا كانت السندات ستصدر بعملة أجنبية، فإن التغيرات في سعر الصرف يمكن أن تؤدي إلى تكاليف إضافية عند تحويل الأموال إلى العملة المحلية، خاصة في أوقات التقلبات الكبيرة في أسعار الصرف، إضافة إلى خطر التآكل التضخمي؛ فارتفاع مستوى التضخم في الدولة المصدرة، أي المغرب في هذه الحالة، يمكن أن يقود إلى تآكل قيمة العائدات بالدولار الحقيقي، كما قد يؤثر سلبا على المستثمرين، ويزيد من تكاليف التمويل المستقبلية.

واعتبر الخبير الاقتصادي أن التوترات الجيو-سياسية تزيد من عدم اليقين السياسي، ما قد يؤدي إلى تقلبات كبيرة في الأسواق المالية وتراجع ثقة المستثمرين، وبالتالي يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع العوائد المطلوبة على السندات الجديدة، مشيرا إلى أن أي تخفيض مفاجئ في تصنيف وكالات التصنيف الائتماني للدولة المصدرة للسندات سيزيد من تكاليف الاقتراض في المستقبل.