زلزال الحوز يثير نقاش قانونية دعوات جمع التبرعات لأغراض خيرية

زلزال الحوز يثير نقاش قانونية دعوات جمع التبرعات لأغراض خيرية
حجم الخط:

أثيرت، في الأيام الأخيرة، تساؤلات عديدة حول مدى شرعية الدعوات، التي نودي بها عبر جهات المملكة عقب فاجعة الزلزال الذي ضرب عددا من المناطق بالمغرب، ليلة الجمعة الماضي، وخلفت لحدود يوم الأربعاء الأخير مقتل 2946 شخصا، دفن منهم 2944 منهم، وتسجيل 5674 جريحا ومصابا.

ففي ظل تزايد إحصاء الخسائر المترتبة عن الزلزال العنيف كل يوم من طرف السلطات المعنية، والإعلان عن عدد الوفيات والضحايا، تتزايد معها الدعوة للتبرع وإغاثة سكان هذه المناطق المنكوبة، التي أصبح سكانها بين ليلة وضحايا بلا مأوى فاقدين معه أحباءهم وأطفالهم وكل ما يملكونه رغم بساطته.
وإن كانت دعوات التبرع على اختلاف أساليبها ونوعها وقيمتها تخدم في العمق مبادئ الإحسان والفطرة الإنسانية المجبولة على الرحمة والتضامن ومساعدة الغير خاصة من وقعوا ضحايا للكوارث الطبيعية، فإنها منظمة بالقانون وليست عشوائية، بل حتى المبنية منها على النوايا الحسنة في الغالب ما تتعارض مع ما تفرضه التشريعات مسبقا سواء على الجمعيات المدنية أو الأفراد المبادرين، التي تشترط الحصول على ترخيص مسبق لجمعها وتوزيعها ومنحها لمن يستحقها.

 

رئاسة النيابة العامة تدخل على الخط

ومن هنا جاء تحرك رئاسة النيابة العامة، بإصدارها لبلاغ أمس الخميس، توعدت فيه كل من ثبت تورطه في الاستيلاء على المواد الاستهلاكية والسلع التموينية المقدمة في إطار المبادرات التطوعية والعمليات التضامنية مع ضحايا الزلزال المؤلم الذي ضرب بعض أقاليم وجهات المملكة.
كما أصدرت، في هذا الإطار، تعليمات صارمة للنيابات العامة بمحاكم المملكة ومصالح الشرطة القضائية بالتفاعل الجدي والفوري مع البلاغات والوشايات المسجلة، سعيا منها لتحصين جميع المبادرات التضامنية والأعمال التطوعية النبيلة الموجهة لمستحقيها، وزجر كافة الجرائم التي تستهدفها، من خلال التطبيق الحازم للقانون في حق كل مشتبه في ارتكابه لهذه الأفعال الإجرامية المفترضة أو المساهمة في ذلك، وهي التي أسبغ عليها المشرع المغربي طابع التشديد.
وهو ما نجد القانون المغربي الحديث تحت رقم 18.18، الذي نشر بالجريدة الرسمية في الثامن من يناير 2023، ينص عليه، ومن خلاله طفت إشكالية دخوله حيز التنفيذ مع توالي الأحداث المتسارعة بعد وقوع الزلزال وأنباء وصور الأضرار المادية والبشرية، ووسط ما تعج به الوسائط الاجتماعية من دعوات للتبرع من كل صوب وحدب، وانتقال عدد من قوافل الدعم والتبرعات نحو هذه المناطق سواء من الأفراد أو الجمعيات، وتطفو معه أسئلة أخرى حول الحصول على هذا الترخيص المسبق من طرفهم، الذي تشترط إحدى مواد القانون المذكور، أن يتم طلبه قبل 24 ساعة من انطلاق العملية عندما يتعلق الأمر بتقديم المساعدة في حالة الحاجة الملحة أو الطارئة، ويطرح معه سؤال آخر هل حالات الطوارئ والكوارث لها الأسبقية على القوانين؟، وهل هذا القانون دخل حيز التنفيذ في غياب عدم صدور عدد من نصوصه التنظيمية؟، وهل جرى الإعمال به خلال هذه الفترة الطارئة التي يعيشها المغرب، لكن إيجابا بجعل الأولوية لإنقاذ الأرواح وإغاثة المصابين والمنكوبين؟

 

المحامي ولد حمو: عمليات التبرع ليست عشوائية بل خاضعة للقانون

وفي هذا الصدد، قال الأستاذ محمد ولد حمو، محام بهيئة الدارالبيضاء، ونائب رئيس نادي المحامين بالمغرب، إن البعض ما زال يعتبر عمليات جمع التبرعات تتم بشكل عشوائي وغير خاضعة للقانون، في حين أنها أمور لها إطار قانوني وتنظيمي.
وأوضح الأستاذ ولد حمو، في تصريح لـ “الصحراء المغربية” أن القانون رقم 18.18 القاضي بـ “تنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية”، دخل إلى حيز التنفيذ بعد ستة أشهر من نشره بالجريدة الرسمية، رغم الإشكال الذي اعترضه بسبب عدم إصدار النصوص التنظيمية المرافقة له، ما جعل البعض يعتقد أن هذا القانون بدون نصوص تنظيمية وغير ساري المفعول ولم يدخل حيز التنفيذ.
غير أن المشرع المغربي، يقول المحامي، تدارك الأمر في المادة 45 من هذا القانون، التي جاء فيها أن النصوص التطبيقية أو التنظيمية للقانون تبقى سارية المفعول إلى حين صدور النصوص التنظيمية المتعلقة بهذا القانون، وبالتالي هو دخل حيز التنفيذ بعد ستة أشهر من نشره بالجريدة الرسمية عدد 7159، مضيفا “نحن الآن بصدد توطئة لهذا القانون وتجاوز أهم إشكال كان سيعترض تنفيذه خلال هذه الظروف التي تعيشها بلادنا بعد وقوع كارثة الزلزال”.
وبالعودة إلى أهداف القانون، صرح المتحدث أن أهمها محاربة عدد من الظواهر التي كانت سائدة في مجتمعنا وهي استغلال حالات إنسانية فردية أو جماعية في حالة هشة أو في حاجة لتحقيق مآرب شخصية، حيث كانت مواقع التواصل الاجتماعي شاهدة على مجموعة من العمليات الاحتيالية التي تعرض لها مغاربة من طرف أشخاص تبرعوا بأموالهم تحت طائلة العاطفة والإحسان، قبل أن يكتشفوا أنهم كانوا ضحية للنصب والاحتيال، وهي الأفعال المنصوص عليها في القانون الجنائي خاصة في المادة 540 وكذلك ما جاء به القانون رقم 18.18 خاصة الفقرة الثالثة من المادة الرابعة، التي تمنع كل عملية من عمليات توزيع المساعدات لتحقيق أهداف شخصية، قائلا “هنا تظهر نية المشرع في محاربة مثل هذه الظواهر الشاذة”.
وفي هذا السياق، قال المحامي إن المشرع في الباب الثاني من المادة 7 من هذا القانون، وضع عددا من الشروط لجمع التبرعات من بينها الترخيص وشروط الحصول عليه، كما جعل لهذا الترخيص آجالا قانونية محددة في شهر، وأنه في حالة الاستعجال والحالات القصوى حدد الأجل الأقصى في 24 ساعة، مضيفا أن هذه الآجال بدورها تطرح عددا من الإشكالات من قبيل أن جمع التبرعات في بعض الأحيان يكون آني ولحظي، كما أوجب في المادة 9 منه وفي طلب الترخيص أن تحدد مجموعة من الأمور خاصة الوسيلة المراد استعمالها في التبرع، وتاريخ بداية عملية جمع التبرعات وتاريخ الانتهاء منها، المكان أو الأمكنة المخصصة لها عند الاقتضاء، وأيضا كشرط ثالث القيمة التقديرية للتبرعات المراد جمعها مع بيان كيفية استخدامها أو توزيعها حسب طبيعة وأصناف التبرعات. كما نص في المادة العاشرة على مجموعة من الوثائق التي يجب أن ترفق مع طلب الترخيص.
ويعتقد المحامي قائلا “وضع هذه الشروط التعجيزية ربما يعرقل عملية جمع التبرعات بتعقيدها بالإجراءات، ما يجعلنا نشك في الأهداف الحقيقية من تنزيل هذا القانون باعتباره في هذا الشق يتعارض مع الأهداف المرجوة من القيام بالأعمال الخيرية، كإرضاء الله وكسب الأجر والثواب وتحقيق التنمية ونشر قيم التسامح والتآزر”.
وعرج المحامي ولد حمو على العقوبات التي ينص عليها القانون 18.18 في حالة مخالفة الشروط المذكورة، والمضمنة في المادة 39 منه، إذ يعاقب بغرامة من 50 ألف درهم إلى 100 ألف درهم عن كل إخلال بمقتضيات المادة الثالثة السابق ذكرها، متسائلا “فكيف لمن يريد جمع تبرعات أو التبرع لوجه الله سلوك مسطرة معقدة سيعرض نفسه معها لعقوبات مالية قاسية؟”.
وشدد محدثنا على أن الترخيص المسبق من السلطات العمومية إلزامي للأفراد والمجموعات، وفقا لشروط القانون، وإذا تعلق الأمر بالجمعيات فيجب التنصيص في قانونها الأساسي على جمع التبرعات لأهداف خيرية، أما إن كانت لها أهداف أخرى، فيجب عليها أيضا الحصول على ترخيص مسبق.
ولفت المحامي إلى أنه في حالة وقوع الكوارث، فحتى بوقوع بعض الاستثناءات إلا أن ذلك لا يعفي الفرد أو الجماعة أو الجمعية من الحصول على ترخيص مسبق، إلا إذا كانت هناك بعض القرارات التي تصدرها السلطات العمومية تسهيلا لهذه العمليات في سبيل إنقاذ الأرواح وتجاوز الآثار المترتبة عن الكارثة وتخفيف معاناة الضحايا وأضرار المصابين وتضميد جراح المتضررين بالمناطق المنكوبة.