فاس تحتفي بمرور 12 قرنا على تأسيس القرويين.. بنحمزة: “شرف للمغاربة”

ندوة احتفالية بمرور اثني عشر قرنا على تأسيس جامعة القرويين بفاس احتضنتها العاصمة العلمية، بمبادرة جمعت مركز المقاصد للدراسات والبحوث ومركز القرويين للدراسات والبحوث، ولجنة التراث بكلية الطب والصيدلة وطب الأسنان بفاس.

وفي المحاضرة الافتتاحية قال الفقيه مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي بجهة الشرق وعضو المجلس العلمي الأعلى، إن “مرور اثني عشر قرنا على هذه المؤسسة شيء كبير، لا يعني فئة من المغاربة، بل المغاربة كلهم، لأن هذا شرف للمغاربة، وما من مغربي إلا ويعرف معنى القرويين، وما قدمته هذه المؤسسة”، التي “كانت جامعة بحق (…) ومن اللحظات المشرقة في تاريخنا (…) فالمغرب لم يكن بلدا على هامش الحضارة، ولو كان متعبا إلا أنه كان متحضرا”.

إعلان فاس تحتفي بمرور 12 قرنا على تأسيس القرويين.. بنحمزة: "شرف للمغاربة"

وتابع بنحمزة: “كنا حاضرين عندما كان الذين يحتلون ويقتحمون المغرب يقولون إنه لم تكن لكم صلة بالعلم، ومبرر مجيئنا أن نعلمكم ونحضركم”، وهو ما حمّل مسؤوليته لـ”تقصيرنا الواضح”، قبل أن يردف: “القرويين لا يمكن أن يستهان بوجودها في التاريخ. وعلى كل المغاربة دين تجاه هذه المؤسسة، فإذا رأيتم شعوبا سمت المغرب كله ‘فاس’ فلأنهم جاؤوا إلى العلم بجامعة القرويين، وهذه أشياء حضارية يجب أن يُهتم بها ويُعرَّف بها شبابنا خصوصا”.

واستحضر المتحدث شهادة العالم التونسي محمد الفاضل بن عاشور، الذي قال في إحدى محاضراته إنه كان يضع في كل خانة من مكتبته صورة، وفي تخصص الحديث وضع صورة المدينة المنورة، وفي الفقه وضع صورة فاس. ثم علق الفقيه المغربي قائلا: “فاس هي الفقه المالكي، ومكّنت له”.

جامعة القرويين التي بنيت بوقف، وسيّرت عبر أوقاف، استحضر معها مصطفى بنحمزة “مؤسسة الوقف الاقتصادية التنموية الكبيرة”، ثم ذكر أن “للمسلمين نظام اقتصادي لا يمكن تجاوزه، وأكبر ما فيه مؤسسة الوقف، التي نشأت بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، عندما سأله عمر عن أرض أصابها بخيبر، فبدأ تحبيس الأصل والتصدق بالناتج”.

وواصل الفقيه شارحا: “فكرة الوقف أن المال ليس فيه فقط مال الدولة والمال الخاص، بل توجد صيغة ثالثة بينهما، وهي صيغة سمحت للناس بدخول أبواب كثيرة في فعل الخير المستدام (…) ونشأت عنه نتائج كثيرة منها بناء المسجد النبوي، ودور ومؤسسات كثيرة. وأوقف الزبير بن العوام دورا وجعل إحداها للمرأة في وضعية صعبة، هي المطلقة، واهتم عثمان بن عفان بتوفير الماء (…) ويوجد من الأوقاف ما خصص ناتجه لتحرير الأسرى، وكان هذا في المغرب أيضا، أي أوقاف لتحرير الإنسان”.

فاس تحتفي بمرور 12 قرنا على تأسيس القرويين.. بنحمزة: "شرف للمغاربة"

واسترسل المتحدث: “الأمة الإسلامية وجدت في هذا رصيدا مهما، فكانت مصالح الخير لا تتوقف، رغم ما يقع للدولة من أزمات مالية، بفضل الوقف المحفوظ في فاس التي كانت فقط نموذجا في الغرب الإسلامي، وما كتب عنها موثق ومعروف، وقد كان فيها بيت مال خاص بمال الوقف. وأكبر الأوقاف كانت أوقاف القرويين التي كانت تستقطب الناس، ويجمع لها المال من مختلف المناطق. وفي مرات يكون مال القرويين أكثر من مال الدولة نفسها، وأحيانا كان يستعير الحكام من الأوقاف، وكانت لها أمانة، ومفتاحان أحدهما بيد إمام المسجد والآخر بيد قاضي المدينة، ولا تفتح إلا بحضورهما. بل في القرن الثامن ربما عمد بعض الأشخاص إلى إحراق الدفاتر الخاصة بالحوالات الوقفية، وهذا فعل جنائي، فرُفع الأمر إلى قاضي فاس فقضى بأن جميع ممتلكات فاس وقف إلا شيئا أتى عليه أصحابه ببيّنة، وهذا يدل على مدى الاهتمام بهذه المؤسسة”.

وزاد بنحمزة: “المدينة الإسلامية كان يصل فيها الوقف أحيانا إلى الثلث. وكان الناس يحبّسون لغايات ومصالح كثيرة. كما كان الوقف في فاس قائما مقام البلديات، وأمواله تمرّر ماء العيون، وبه تنظّف المدينة. وكانت قيسارية للذهب وقفها لذوي الاحتياجات الخاصة، وكان وقف للمكفوفين، وللنساء اللواتي لم يتزوجن حينما يقبلن على الزواج، ووقف لتعويض ‘الكاسُورات’، وإطعام اللقالق، ووقف للنساء اللواتي تقع لهن خصومة مع الأزواج، وغير ذلك من الأوقاف. وهذا ماض مجيد”.

ومن أهم وظائف الوقف “نشر المعرفة”، إذ ذكر المتحدث أن جامعة القرويين “فكرة وقفية، كان يبذل الناس الكثير في خدمتها؛ وهي فعلا جامعة”، وزاد: “الأجرة كانت تؤدى من الوقف، بل في بعض المناطق كان مصروف الجيب للتلاميذ وللنجباء منه، فضلا عن إطعامهم، وهذا ما كون لنا الشخصية العلمية، رغم الحروب والأزمات التي تصيب صناديق الدولة، وهذا ما مكن العلوم الإسلامية من الانتشار، ومن هذا تكوّن الأطباء والفقهاء”، وتابع: “وفي زمن الاحتلال الفرنسي الذي لم يكن استعمارا عاديا، بل استعمارا ثقافيا أيضا، كانت القوة التي تقف في وجهه جامعة القرويين، وكان علماؤها يفوتون عليه الفرص”.

فاس تحتفي بمرور 12 قرنا على تأسيس القرويين.. بنحمزة: "شرف للمغاربة"

ويقدّر بنحمزة أن مؤسسة الوقف هي “أكبر مشروع حضاري في تاريخ الأمة الإسلامية”، ويرى أنها مؤسسة “اقتبستها جهة أخرى من العالم (…)؛ أي فكرة الوقف الذي ليست عليه ضرائب ويخصص لجامعات ومستشفيات”، وتأسف لـ”عدم اهتمامنا به كثيرا اليوم”، ونسيان أفضاله التي من بينها “القرويين التي ليست ملكا لفاس فقط بل للمغرب كله، وما من عالِم إلا ودينها في عنقه، ومن العالم الإسلامي عندما يأتي أحد إلى المغرب يسأل عن ‘القرويين’، ومناسبة بلوغها اثني عشر قرنا (في شهر رمضان المقبل) تحتاج تعريفا أكبر”.

زر الذهاب إلى الأعلى