
التنازل عن الدعوى القضائية .. بين جدل التهرب من المتابعة والتخفيف من العبء على المحاكم
كثيرا ما نسمع عبارة “التنازل عن الشكاية” والتنازل عن الدعوى” أو بالدارج “مشيت درت تنازل” … عبارات متداولة في الشائع المغربي، تطرح معها أسئلة أخرى بمجرد أن نسمع أن ضحية في ملف أمام القضاء يتقدم بتنازل عن متابعة المعتدي عليه أو عليها..
فما المقصود به عقد التنازل في القانون المغربي؟، ومتى يمكن التقدم بهذا التنازل؟، وماهي القضايا التي يقدم فيها التنازل؟، وهل يلغي التنازل المتابعة القانونية أمام القضاء؟، وهل من شأن ذلك أن يساعد المعتدين على التهرب من المتابعة الجنائية؟، أو أن ذلك من شأنه التخفيف من كثرة القضايا والدعاوى أمام المحاكم وما يرافقه من التخفيف من الاكتظاظ داخل السجون المغربية.
عند الرجوع إلى المشرع المغربي، نجد أنه لا يعطي تعريفا مفصلا لعقد التنازل، بل ربطه بعدد من الحالات التي يصبح فيها التنازل مقبولا لكن دون أن يؤثر ذلك على سير الدعوى العمومية أو توقيفها أو يؤثر على المتابعة أو حتى التخفيف منها أو التشديد حيث ترك الأمر منوطا بالنيابة العامة كسلطة مقررة للموضوع.
المحامي أيت بوجبير: النيابة العامة سيدة الموقف في تسطير المتابعات من عدمها
وفي هذا الصدد، أوضح المحامي عبد اللطيف أيت بوجبير من هيئة المحامين بالدارالبيضاء، أن المشرع المغربي جعل من مجموعة من الجنح جرائم شكلية، بمعنى أن تحريك المتابعات يستوجب بالضرورة أن تكون هناك شكاية من الضحية، كما هو الحال في السرقة بين الأصول والأقارب، وبعض الجرائم الجمركية، ما يعني أن غياب شكاية المتضرر يمنع أجهزة العدالة الجنائية من البحث في الجريمة.
وفي حالة حصول تنازل أثناء المحاكمة، فإنه يؤدي إلى سقوط الدعوى العمومية. أما إذا كان التنازل بعد صدور الحكم، فإنه يضع حدا لتنفيذ العقوبة.
وأضاف المحامي أيت بوجبير أن المشرع المغربي جعل من تنازل الضحية في جرائم بعينها مانحا لتسطير المتابعة واستثناءا للمبدأ العام المتمثل في أن النيابة العامة سيدة الموقف في تسطير المتابعات من عدمها، قضايا الخيانة الزوجية نموذجا.
كما أن التنازل في قضايا الصحافة والنشر يضع أيضا حدا للمتابعة ويجعل الشكاية المباشرة كأن لم تكن.
المحامي حجي: هناك فرق بين التنازل عن الدعوى والتنازل عن الشكاية
وفي الاتجاه نفسه، أبرز الحقوقي والمحامي لحبيب حجي، من هيئة المحامين بتطوان، أن “التنازل عن الدعوى، نفهم منه أن الأمر يتعلق بالمساطر التي يطبق عليها قانون المسطرة المدنية: دعاوي مدنية، تجارية، ادارية ..أمام قضاء الحكم. أما التنازل عن الشكاية، يضيف لحبيب حجي، فنفهم منه أن الأمر يتعلق بمسطرة جارية في إطار قانون المسطرة الجنائية، وأمام إما وكيل الملك أو الوكيل العام للملك أو قاضي التحقيق أو قضاء الحكم الزجري، أي أن الأمر يتعلق بجريمة.
حالات التنازل التي لا تؤثر على سير الدعوى العمومية
وبخصوص المرحلة التي يوضع فيها التنازل أو يتقدم به أمام المحكمة، قال حجي، إن التنازل في الدعوى المدنية التابعة للدعوى العمومية يوضع أثناء جريان وسريان الدعوى العمومية أي في ملف تسري عليه قواعد مجموعة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، وأن وضع التنازل لا علاقة له بالدعوى العمومية والفعل الجرمي موضوع المتابعة، مبرزا أن التنازل لا يساهم لا في الادانة ولا في البراءة، بل له علاقة في حالات محددة في القانون.
واستعرض المحامي حجي الحالات التي يؤثر فيها التنازل على سير الدعوى العمومية، قائلا إنها تتمثل في:
أولها: الجنح التي لا تتجاوز العقوبة فيها سنتين، يتم ايقاف سير الدعوى العمومية. فالتنازل هنا يدخلنا في العدالة التصالحية التي تقتصر فقط في هذا النوع من الجرائم.
وثانيها الجرائم بين الابناء والاباء تنهي الدعوى العمومية بسقوطها .وثالثها جريمة الخيانة الزوجية تسقط فيها الدعوى العمومية بتنازل أحد طرفيها.و كذا في بعض الحالات التي تكون فيها الدولة طرفا..
وأبرز أن القانون المغربي أشار إلى أن التنازل ينهي الدعوى العمومية إذا كانت الشكاية شرطا لتحريكها. أما إن كان التنازل يعني في المواد الخارجة عن نطاق العدالة التصالحية أو القضايا المرتبطة بشرط الشكاية هو الاستغناء عن المطالبة بالتعويض أمام القضاء الزجري، أي القضاء الذي ينظر في الجرائم، فإن التقدم به أو وضعه أمام المحكمة لا يمنع إقامة دعوى مدنية أمام القضاء المدني.
وما يهم المواطن المغربي هنا، حسب حجي، هو أن التنازل قد يساهم في التخفيف من العقوبة. وقد يغير من طبيعتها، فقد يكون الاعتقال مقررا ثم يتحول إلى متابعة في حالة سراح بالنظر إلى:
= نوع الضرر وطبيعته (وقد لا يؤثر في أخرى مماثلة يكون فيها الضرر مستمرا وقاسيا).
= نوع وطبيعة المتقاضين هل هم عائلة، جيران، زملاء، شركاء. كما يراعى كذلك العمر والوظيفة.
إجمالا فإن الأمر خاضع للسلطة التقديرية للقضاء في إعمال المناقشات في الراحة والتخفيف مادام الضرر قد تم التخفيف منه أو إزالته.
التنازل لا يمكن استعماله للإفلات من العقاب
واعتبر المحامي لحبيب حجي أنه بهذه المعطيات لا يمكن استعمال التنازل للإفلات من العقاب مادام أن الأمر خاضع للسلطة التقديرية للمحكمة. لأن هناك ملفات أدلي فيها بالتنازل وكانت فيها العقوبة شديدة. بل إن المرحلة الابتدائية كانت فيها العقوبة بلا تنازل أقل من العقوبة استئنافيا بالتنازل.
وأضاف أنه أحيانا القضاء يحس بأن الضحية خضع لضغط مجتمعي أو فئوي أو من المتهم وعائلته ومحيطه.. فلا يتأثر بهذا التنازل في الدعوى العمومية “اللهم إن كانت الدعوى المدنية التابعة منتهية”.
ذلك أن القضاء يقتنع بأن ذلك التنازل لا يستفيد منه الضحية فلا هو ينهي الاحتقان ولا الضرر ولا الاستقرار في الوسط موضوع الجريمة ولا يستفيد منه الحق العام، أي الناس جميعا.
وبالتالي فالمشرع لا يجب أن يتوسع ويجعل من التنازل مؤثرا في الدعوى العمومية عموما في القضايا التي تمس الأشخاص وخاصة في ذواتهم وخاصة أيضا القاصرين والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة وبالنسبة للأشخاص الخطيرين وفي قضايا المال العام، والصحة العامة والمصلحة العامة والامن والاستقرار العامين ..
وجود إرادة لتشجيع العدالة التصالحية
من جانبه، يرى المحامي أيت بوجبيبر أن هناك إرادة واضحة لتشجيع العدالة التصالحية عبر جعل تنازل الضحية يضع حدا لمجموعة من القضايا الأقل خطورة ومسا بالأمن الاجتماعي وبداية التخفيف من الضغط على السجون.
كما يرى أن هناك ضرورة لإعادة النظر في مجموعة من النصوص القانونية التي تجرم وقائع تبث أنها سبب امتلاء السجون وأن المجتمع لا يستفيد الشيء الكثير من اعتقال مرتكبيها كبعض قضايا المخدرات وقضايا الشيكات والنفقة وغيرها، التي يرى أنه لا بد من إعادة النظر بخصوصها في اتجاه إلغاء تجريمها أو إعادة تكييفها.