تراثٌ طبيعي وثقافي هائل، في أبعاده المادية واللّامادية، وَثَّقَهُ مؤلَّـف جديد أصدرته أكاديمية المملكة المغربية تحت عنوان “أطلس التراث الثقافي والطبيعي لإقليم أوسرد”، وتم تقديمه، مساء اليوم الجمعة بمقر الأكاديمية بالرباط، بحضور مؤلِّفيه والمُسهِمين في تأليفه، إلى جانب الشركاء والسلطات المحلية والجهوية، علاوة على عدة شخصيات ثقافية وأكاديمية وازنة، وفق ما عاينته جريدة جريدة النهار الإلكترونية.

الإصدار الجديد، الذي حُرر باللغة الفرنسية (في 271 صفحة من الحجم الكبير) ليس سوى لَبِنة في مشروع الأكاديمية، في إطار “إنجاز سلسلة من المؤلفات حول الأقاليم الصحراوية المغربية”، من المرتقب أن تشمل مستقبَلاً إقليم الداخلة وادي الذهب، وفق ما أفاد به أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية عبد الجليل لحجمري.
الجلسة الافتتاحية التي استهلَّها لحجمري، بكلمة تقديمية، عرفت حضور ومشاركة شخصيات من منتخَبِي وممثلي سلطات جهة الداخلة وادي الذهب، أبرزهم مبارك حمية، النائب الأول لرئيس مجلس جهة الداخلة وادي الذهب، والشيخ بنان، رئيس مجلس إقليم أوسرد، فضلا عن محمد سيدينا براي، النائب الأول لرئيس المجلس الإقليمي لوادي الذهب، فيما كانت وزارة الثقافة ممثلة بمصطفى جلوق، مدير التراث الثقافي.

ثمرة جهود مُضنية
أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية وصف هذا العمل البحثي التوثيقي لتراث إقليم أوسرد الشاسع بأنه “عمل يكشف عن طبيعة وسِحر وخبايا هذه الجهة ثقافياً وجيولوجيا وتاريخياً وأنثروبولوجيًا وبيولوجيا وَجُغرافيا”، مضيفا أنه “مساهَمة تُضيف فصلًا جديدا في مسار التعريف بصحرائنا المغربية مِنْ وَطَنِنَا العَزِيزِ الَّذِي يَقُودُهُ رَاعي أكاديمية المملكة الملك محمد السادس حفِظه الله”.
وحسب لحجمري، “يُعدّ هذا العمل ثمرة تآزُرٍ وعمل جماعي ساهَم فيه أولا مجموعة من الباحثين المغاربة، إلى جانب خبراءَ أجانب مُستعينينَ بجمعياتٍ علمية محلية، الشيء الذي يدفعني إلى التأكيد بأننا إزاء تراكم عشرات الخبرات، وثمرةِ جهود استغرقت أزيد من ثماني سنوات على الأقل”.

وتابع المسؤول في أكاديمية المملكة أن “إصدارَ الأكاديمية هذا الأطلس يأتي في سياق ورش متواصل للتعريف بتاريخ وتراث أقاليمنا الجنوبية”، مذكرا في هذا الصدد بأنه سبَق لها إصدار “معلمة خاصة بشعر التّْبْراع الحسّاني”، كما أنها على وشك إصدار ترجمة باللغات العربية والإنجليزية والإسبانية لمؤلف تاريخي يتناول حقيقة تطوُّر أقاليمنا الصحراوية أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين للباحث الجيلالي العدناني”.
“عمل موسوعي”
وتابع لحجمري، متحدثا أمام الحاضرين لتقديم الكتاب، أن “أطلس تراث إقليم أوسرد” هو “عمل موسوعي يجمَع بين منهجية التصنيف النظري والمَسح الميداني”، قبل أن يشدّد على “الثراء المعرفي والشمولية التي تم بها تناول تراث منطقة أوسرد”.

واغتنم المتحدث الفرصة ليعلن أن “أكاديمية المملكة، في سياق مواصلة هذا المشروع العلمي الطَّمُوح الذي يشكل مرجعاً علمياً هامّا للباحثين والطلبة الراغبين في التعريف بجانب من تراثنا، تُواصل دعمها لإنجاز الجزء الثاني من هذا الأطلس الذي سيخصَّص لإقليم الداخلة وادي الذهب”.
ودعا لحجمري، في ختام كلمته أمام عدد من الباحثين في تخصصات علمية مختلفة، إلى “توظيف واستخدام أطلس التراث الصحراوي على أكثر من صعيد، ليس فقط على مستوى النهوض بتنمية المنطقة ذاتها، بل على المستوييْن الجامعي والمدرسي نظراً لتوفره على أشكال توضيحية بيانية”.

“يوم مشهود”
امبارك حمية، النائب الأول لرئيس مجلس جهة الداخلة وادي الذهب، وصَف توقيت تقديم مؤلف أطلس تراث الإقليم بأنه “يوم مشهود في صرح أكاديمي كبير، خاصة أنه ينبش تراثَ ثاني أكبر إقليم في جهة الداخلة”. وتابع قائلا: “لا يَسَعُنا إلا أن نُشيد وننوّه بهذا العمل الكبير والجبار، الذي أشرف عليه صفوة من الأكاديميين والباحثين من تخصصات علمية دقيقة (من الأنثروبولوجيا والجيولوجيا إلى علم الآثار وعلوم الأرض والإنسان والنبات والحيوان)”.
وأبرز حمية أن “إخراج هذا الكتاب سيعزِّز المراجع القليلة عن تاريخ وتراث الصحراء المغربية”، مضيفا أنه “قارَب الموروث المادي واللامادي لمنطقة غنيّة تراثيا وطبيعياً، لكنها تظل غير معروفة بالقدر الكافي لدى كثير من الناس”.

“تقديم الكتاب”، حسبما تابعته جريدة جريدة النهار، تم في إطار عرضيْن؛ أولهُما حول “التراث الأثري بإقليم أوسرد.. تقييم لأربع سنوات من التحقيقات الميدانية”، قامت به عائشة أوجع، الأستاذة بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث. بينما تناول الثاني “المكونات الرئيسية للتنوع الحيواني بإقليم أوسرد”، التي استعرضَها عبد الجبار قنينبة، الأستاذ بالمعهد العلمي بالرباط.
ويتضمن هذا المؤلف المُوثَّق بدقة، مستعيناً بصور ميدانية ورسوم توضيحية بيانية، جُل المؤهلات الثقافية والطبيعية التي يتمتع بها إقليم أوسرد، خصوصا المؤهلات التراثية كـ”النقوش والصور الجدارية والنُّصُب الجنائزية”، مع رصد “مواقع فترة ما قبل التاريخ”، إلى جانب “التراث الطبيعي والثروة الحيوانية والنباتية” التي يكتنزها الإقليم المغربي المحاذي لموريتانيا.

وتضطلع أكاديمية المملكة المغربية، باعتبارها مؤسسة وطنية علمية عليا، بمهمة الإسهام في نشر الأعمال العلمية المميَّزة إلى جانب البحوث لتحفيز العلماء والمفكرين والباحثين على إنتاج المعرفة المتعلقة بصون التراث وإبراز تجليات خصوصيته ودلالته الاجتماعية والحضارية وتداولها، وكذلك دعم وتشجيع الدراسات والأبحاث المتعلقة بتاريخ وجغرافية المملكة.
