عن مركز تكامل للدراسات والأبحاث، صدر كتاب جديد بعنوان “حوار القضاة من خلال مناهج عمل وتأويلات القضاءين الدستوري والإداري”، نسق فصوله الأستاذان عبد الرحيم العلام وعبد الرحمان فضلاوي.
يقع المؤلف الذي قدم فصوله الأستاذ عبد المالك الوزاني في 540 صفحة، ويضم ثمانية عشر فصلا، ناقشت مختلف المواضيع المستجدة في الحقلين الإداري والدستوري، من خلال بحث في العلاقة بين القانون والتنظيم وإشكاليتي الرقابة على الدستورية والرقابة على المشروعية والمناهج التي يتبعها القضاء الدستوري في بسط رقابته على هذه التصرفات القانونية، وذلك بموضوع حول “الشكل يغلف المضمون في القانون والتنظيم”، إضافة إلى إعمال القضاء الإداري للمقتضيات الدستورية مساهمة منه في بناء دولة القانون، واستحضار فكرة الأسس الدستورية للقانون الإداري.
تتمثل أهمية الكتاب، حسب مقدمه، في جعل السلطة القضائية تنحو في اتجاه تحقيق تلك الالتقائية بين القضاء العادي والقضاء المتخصص، وذلك ضمانا لمفاهيم العدالة والنجاعة القضائية، وأداء دورها في حماية حقوق وحريات الأفراد … وبناء نوع من توحيد الاجتهاد القضائي في إطار تكامل وانسجام بين كل الاختصاصات، وبالتالي يعد موضوع حوار القضاة بدل “صراع وحرب القضاة” مدخلا حقيقيا لتحقيق الأمن القضائي، من خلال حوار يتجسد بشكل عمودي بين المحاكم الأدنى درجة والأعلى درجة منها، أو في إطار حوار أفقي بين محاكم من الدرجة نفسها.
يرى الوزاني أن مسألة التطرق إلى الأهداف ذات القيمة الدستورية تعتبر مستجدا في الحقل الدستوري المغربي، وإشكالية ضبابية المفهوم ونشأته وسؤال الفعلية. وفي هذا السياق، تم استحضار الأدوار التأويلية والتفسيرية للقاضي الدستوري، والبحث في الخيارات الكفيلة بتفعيل الولوج إلى العدالة الدستورية.
وفي شق آخر، تطرقت الدراسات لتطور رقابة القاضي الإداري على تدرج ودستورية القوانين وعلى القرارات الحكومية، وتقنياته المتمثلة في التكييف والاستدلال بالوقائع، إضافة إلى تأهيله لتعزيز الموازنة بين حماية الحريات العامة والحفاظ على النظام العام، ومجالات تقاطع الاختصاصات والجهات القضائية بالمغرب، وتطبيقات القضاء الإداري لمبدأ المساواة أمام التكاليف العمومية، حيث يُعد هذا الأخير مقتضى دستوريا مفتوحا على قراءات عدة لكل من القاضي الإداري والقاضي الدستوري.
كما توقفت المقالات التي يتضمنها هذا المنتوج العلمي عند بعض المبادئ والغايات التي ينشد القضاء الدستوري والقضاء الإداري بلوغها، سواء من خلال تطور مفهوم المصلحة العامة في حوارهما، أو من خلال ترسيخ مبدأ التناسب، وذلك كمعيار لتحقيق التوازن بين الحقوق والحريات والمصلحة العامة، أو البحث في سؤال بناء دولة القانون والمؤسسات من منطق تحقق مبدأ الأمن القانوني، عطفا على انفتاح القضاء على البعد الترابي الذي يعد أساسا من أسس دولة القانون المتوخاة، وذلك من خلال دراسة حماية القضاءين الدستوري والإداري لنزاعات المركز بالمحيط.
إن هذا المؤلف “يشكل لبنة أولية في بناء صرح القضاء المغربي، الذي نتمناه مبنيا على أسس الاستقلالية والقيم الأصيلة، التي تجعل من ثقافة الأخلاق والحوار مدخلا أساسيا لتحقيق النجاعة القضائية، والتي ستنعكس لا محالة على جودة التشريع من جهة، ومردودية الإدارة من جهة أخرى”.
وهذا ما رام التقديم الذي اختص الأستاذ الوزاني الكتاب به، والذي من شأنه أن يشكل خارطة طريق للكتابة المستقبلية حول موضوع حوار القضاة، حيث جاء فيه: “إذا كان موضوع حوار القضاة قد تمّ تداوله نسبيا في البلدان الغربية، فإنّه يبقى جديدا شيئا ما على الساحة القضائية والجامعية في المغرب؛ لذلك تبرز أهمية هذا الكتاب الذي جمع ثلة من المختصين، كل في مجاله، وتعدد المجالات يبين أنّ حوار القضاة لا يهم فقط القاضي الدستوري، بل كذلك القاضي الإداري، والمدني والجنائي والتجاري، على الرغم من أنّ الكتاب ركّز على القضائيين الدستوري والإداري”.
“جرت العادة لدى المهتمين بدراسة الاجتهاد القضائي داخل الفضاء الفرنكفوني بأن تنسب أبوّة عبارة [حوار القضاة] إلى الرئيس برونو جونوفوا (Bruno Genevois) الذي أعطى للعبارة الصّدى الذي اكتسبته منذ خلاصاته أمام مجلس الدولة في قضية وزير الداخلية ضد كوهن-بنديت، 6 دجنبر 1978. والحال أنه لم يقم إلاّ بوضع اسم على ظاهرة قديمة قِدم تبادل التّأثير بين القضاة، الذي (التّأثير المتبادل) لم ينتظر إلى أواخر السبعينيات من القرن الماضي لكي يظهر، بل برز بأشكال متعددة، وفي مناطق مختلفة عبر العالم، من مثل بلدان الكومن لاو (Common Law)، وخاصة منها الولايات المتحدة الأمريكية”، يقول تقديم الكتاب.