بنسعيد العلوي يرصد غياب التاريخ في تلقي المسلمين لمفهوم “الانحطاط”

بنسعيد العلوي يرصد غياب التاريخ في تلقي المسلمين لمفهوم "الانحطاط"
حجم الخط:

قال المفكر والمؤرخ سعيد بنسعيد العلوي إن “المسلمين كان لهم جهاز استقبال ومرجعية لتلقي مفهوم “الانحطاط”، لكنهم قرؤوه قراءة حضر فيها كل شيء إلا التاريخ”، مشيراً إلى “ورود “الانحطاط” ككلمة بمعنى، ولكنها في الواقع قليلة بالمقارنة مع ألفاظ أخرى من قبيل “التقدم” و”النهضة”. لهذا ظلّ الانحطاط يعبر عن إشكال غير مفكر فيه، وهو إشكال الحداثة (…) أو كيف نلج عالم الحداثة وكيف ننتمي إليها”.

وأوضح المفكر المغربي، متحدثاً في لقاء حول موضوع “مراجعة براديغم الانحطاط”، أن “المشكلة التي تعتري قراءة هذا اللفظ هي الانحطاط بالنسبة لماذا؟، فحسب مفكري الإسلام، انحطاطٌ مقارنة بما كان عليه المسلمون في العصر الذهبي، لكن ما هي المرجعية: القرن الأول أو الثاني أو الثالث الهجري؟”. وأضاف “أنا مقتنع بأن ما يسمى العصر الذهبي هو عصر تركيبي تقريبي لم يكن له وجود حقيقي”.

ولفت الأكاديمي، الذي كان بطل “خيمة إبداع” بموسم أصيلة الدولي، إلى أن “الحداثة ظلت، بدورها، ترد بالمعنى في الفكر العربي المعاصر، ولا ترد لفظاً، بما في ذلك مشروع أبرز مفكر يطرح قضية الحداثة: عبد الله العروي”، لافتا إلى أن “نصوص العروي التي سبقت “مفهوم العقل” لم ترد فيها كلمة “حداثة”، فاكتشف أنه طيلة الثلاثين سنة التي لحقت “الإيديولوجيا العربية المعاصرة” كان يحوم حول المفهوم كمعنى، ولكن ليس كلفظ أو كلمة”.

وبعدما ذكر لفظ “الحرية” ككلمة واجهت المعضلة التاريخية نفسها، عاد المؤرخ، الذي اعتبر مداخلته “خواطر”، إلى براديغم “الانحطاط”، مضيفا أنه “يدفعنا إلى التفكير في حال نتخبط فيه ولا نطرحه على الوجه الصحيح (…)، وهو كمفهوم يتجاوزنا، لا نتحدث عنه بقدر ما نتحدث عن التأخر والتخلف وغير ذلك”.

وفي سبيل الوصول إلى هذه الخلاصات، أوضح المتحدث، في اللقاء الذي نظمته مؤسسة “البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية”، بتعاون مع مركز “تواصل الثقافات”، أن “المفهوم يأتي في سياق تنتظم فيه جملة مفاهيم، أخصها النهضة والترقي والتقدم والتمدن. والأمر في هذه المفاهيم من الناحية التداولية لا يخلو من أحوال”، فإما أن “هذه الألفاظ لم تكن واردة في التداول العربي في العصور السابقة على القرن التاسع عشر، أي المرحلة التي نسميها عصر النهضة، أو أنها نُحتت ورُكّبت في العصر المذكور بعدما لم تكن موجودة”.

وسجل بنسعيد العلوي إمكانية أن تكون هذه المفاهيم ترجمت من لغات أخرى، وبصفة خاصة من اللغة الفرنسية إلى العربية، رغم نفيه “مقابلة للمصطلح الفرنسي décadence”، منطلقاً من وجهة نظر المؤرخ ليبرز أن “عبد الرحمن الكواكبي في كتابه “طبائع الاستبداد” الصادر سنة 1902 كان أول من أدرج هذه الكلمة، وبعده شكيب أرسلان في كتابه الشهير “لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟””.

وأضاف أن “الكواكبي يعتبرُ الاستبداد السياسي السبب الأساسيّ وراء انحطاط أهل الإسلام، وهذه هي الإشكالية المركزية عنده، فيما يرجع السلفيون السبب إلى الابتعاد عن الدين وعن تعاليمه وطريقه”، لكن الكواكبي يدرج ألفاظا جديدة من قبيل “الترقّي والتسفّل، التي استفرد بها في السياق الفكري المعاصر، فلا نكاد نجدها عند غيره، بينما يذكر أرسلان زوجا مفهوميا آخر: التقدم والتأخر”.

وخلص المفكر المغربي إلى القول إن “الزوج المفهومي الثالث هو “النهضة” و”الانحطاط”، وهذا المفهوم الأخير لم يكن متداولاً في السياق العربي الإسلامي بتاتا، حتى في النصوص الكبرى كمقدمة ابن خلدون أو أمهات كتب الفرابي وغيره”، لافتاً إلى “أهمية معالجة الموضوع مفهوميا، ومن الزاوية اللسانية التي تقضي بأن التفكير لا ينفصل عن اللغة، فالتفكير هو اللغة ويتمّ داخلها”. ولهذا عاد بنسعيد العلوي إلى أكبر خزان لغوي (لسان العرب) باحثاً عن تفكيك “الانحطاط” و”النهضة”.