أكاديميون مغاربة يكرّمون مسار جامع بيضا .. مؤرخ مجدّد وصائن “ذاكرة الأمة”

أكاديميون مغاربة يكرّمون مسار جامع بيضا .. مؤرخ مجدّد وصائن "ذاكرة الأمة"
حجم الخط:

تكريم لمسار وعطاء المؤرخ جامع بيضا، مدير مؤسسة أرشيف المغرب، استقبلته كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، بمناسبة صدور كتاب “التاريخ والهوية: الكتابة التاريخية بين الأرشيف والذاكرة وسؤال التعددية”، الذي أهديت أعماله للمحتفى به.

عبد العزيز الطاهري، رئيس شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، قال إن لبيضا “مكانة كبيرة في الأوساط التاريخية خاصة والأكاديمية عامة”، مضيفا أنه “أستاذ وباحث ساهم في تطوير البحث التاريخي، وجدد في الكتابة التاريخية، وفاعل جمعوي كان له دور كبير في مسار الجمعية المغربية للبحث التاريخي عضوا ورئيسا، ومدير طُوِّق بأمانة حفظ أرشيف المغرب وصيانة ذاكرة الأمة”.

ليلى منير، عميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط بالنيابة، ذكرت أن تكريم جامع بيضا “بادرة طيبة تندرج في إطار ثقافة الاعتراف وقيمة العرفان”، وينبغي “أن تصبح راسخة في الأوساط الجامعية والعلمية”.

وواصلت: “شعبة التاريخ من بين أهم الشعب التي قامت بأدوار كبيرة، ومرت منها، ولا تزال، أسماء كبيرة في عالم الجامعة والتاريخ والثقافة المغربية، ومن بينها جامع بيضا”، ثم استرسلت قائلة: “قام الأستاذ الفذ والمؤرخ الجاد والمجدد بأدوار كبيرة في الكلية، تدريسا وبحثا وتأطيرا علميا وبيداغوجيا، وعلاقته بكلية الآداب تعود إلى مرحلة الطلب والتحصيل العلمي وهو قادم من مسقط رأسه تزنيت سنة 1974، واختار استكمال دراسته في تخصص التاريخ، بموضوع بحث لنيل الإجازة عنوانه: (وثائق تاريخية عن أيت باعمران دراسة وتحقيق)”.

وزادت: “صلته بالوثائق والأرشيف بدأت منذ مرحلة مبكرة من تاريخه الدراسي والعلمي، وصار في المقبل من السنوات مديرا لمؤسسة أرشيف المغرب. بعد الدراسات العليا في فرنسا، عاد إلى مؤسسته الأم كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط والتحق بهيئة التدريس سنة 1982، ثم تولى مهمة نائب رئيس شعبة التاريخ، وكان له دور كبير في تطوير التدريس التاريخي، في الإجازة والدراسات العليا والماستر وسلك الدكتوراه، وكثيرٌ من طلبته أصبحوا باحثين ومؤرخين وأساتذة في عدة مؤسسات جامعية”.

كما ذكرت المتدخلة أن المكرّم قد “أسهم بفعالية في البحث التاريخي داخل الكلية بالنشر وتنظيم وتنسيق عدد مهم من الملتقيات العلمية، وتعددت اهتماماته بمواضيع كثيرة مثل التاريخ والصحافة، والتاريخ والذاكرة والتاريخ المعاصر وتاريخ الزمن الاستعماري والحركة الوطنية، وعلاقات المغرب بالمغارِب والغرب، والحضور المسيحي واليهودي في تاريخ المغرب، والأرشيف والوثائق وتاريخ الزمن الراهن”، فهو “كفاءة معرفية وعلمية ذات جدية وأخلاق وتفان في العمل”، وهو ما كان من عوامل التعيين الملكي له مديرا لمؤسسة أرشيف المغرب؛ “المؤسسة الوطنية الاستراتيجية التي أنشئت في إطار تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمعاصرة”.

لطيفة الكندوز، رئيسة الجمعية المغربية للبحث التاريخي، ذكرت أن هذا الاحتفاء “سُنّة حميدة وإرساء لتقليد حضاري يتمثل في تكريم أستاذ بصم تاريخ الجامعة بحضوره الوازن وعطاءاته العلمية الرصينة، وهو تكريم واحتفاء واعتراف بحق ما بذله في حق التدريس والتأطير والبحث التاريخي، فقد كان دائما حاضرا ومساهما في معظم أنشطة الجمعية”.

وأبرزت الكندوز مقصدا أساسا من مقاصد هذا التكريم، هو “تعريف أجيال المستقبل بمنجزات أساتذة قدوة مميزين؛ فأعماله في ميدان البحث والترجمة خير دليل على مكانته العلمية، ومساره تاريخي بامتياز، تهتم جل أبحاثه بالتاريخ المعاصر، منذ تاريخ الصحافة المكتوبة، الفترة الاستعمارية، والمنطقة المغاربية وعلاقة المغرب بالغرب، وصولا إلى تاريخ الأقليات بالمغرب، وله مجهودات محمودة في التدريس والبحث التاريخي، وتأطير ثلة من الباحثين، والإشراف على مجموعة من الأطاريح الجامعية ذات الكم والنوع”.

ثم أردفت قائلة: “للعمل الجمعوي نصيب أيضا في مساره، فهو من أوائل المنخرطين بالجمعية المغربية للبحث التاريخي، وانتخب سنة 1993 عضوا مستشارا في مكتبها، وتولى مهمة تسيير شؤونها لستّ سنوات، منذ سنة 2001، وكانت تجربته رائعة وساهمت في الدفع للأمام بالجمعية العالِمة العتيدة، كما أنشأ مجلة خاصة بها هي مجلة البحث التاريخي التي صدرت أولى أعدادها سنة 2003، وظل مستشارا بعد تخليه عن رئاستها، إلى أن صار مديرا لمؤسسة أرشيف المغرب”.

من جهته تحدث إدريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، عن مساره المشترك مع جامع بيضا “منذ سنة 2004 (…) في الأيام الأولى لتجربة الإنصاف والمصالحة، حيث لعب ثلاثة أشخاص هم محمد كنبيب وعبد الأحد السبتي وجامع بيضا دورا أساسيا في مساعدة أعضاء الهيئة، وهذا من خصوصية التجربة المغربية في الإنصاف والمصالحة؛ أي عدم الاقتصار على محاولة طرح الحقيقة في المسار المغربي من سنة 1956 إلى سنة 1999، بل محاولة كتابتها أيضا كتابة تاريخية”، وهو عمل أثمر “توصيات للمساهمة في كتابة تاريخ المغرب، ومن بينها توصيات حول قانون الأرشيف”، أفضت إلى تأسيس المؤسسة المنوطِ بها حفظُه.

ثم ذكر اليزمي أن مسؤولية بيضا على رأس مؤسسة “الأرشيف”؛ “تعبير عن هذا المسار، وعن علاقة دائمة بين الديمقراطية والأرشيف، والديمقراطية والتاريخ؛ التي يعبر عنها في مقالاته وخطاباته”، ثم اختتم كلمته بالتنبيه إلى “هاجس مشترك” يجمعه والمكرّم “للحفاظ على أرشيف المؤسسات الوطنية والأرشيف الخاص، وإعادة بنائه”، وهو ما دفعه إلى استحضار “جانب ذاكرة وأرشيف الجالية المغربية بالخارج، وتاريخ هجرات تمتد لأزيد من قرن، ووجوب إدخالها والإسهام في إعادتها للتاريخ والذاكرة الوطنيين”.

منير بن صالح، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، قدم كلمة بالنيابة عن رئيسة المجلس أمينة بوعياش التي تحدثت عن جامع بيضا بوصفه “أستاذا جامعيا ومؤرخا وزميلا بوحدة حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بمختلف روافده بالمجلس، له مسار مليء بالإنجازات”، قبل أن تردف قائلة إن هذه الندوة “التفاتة معبرةُ للاحتفاء، بمناسبة صدور الكتاب الجماعي المتميز الذي يضم أربعين دراسة مهداة له بلغات متعددة”.

وذكرت بوعياش أن المؤرخ بيضا “القادم من العمق الأمازيغي”؛ “نموذج للاستقامة الفكرية، والجمع بين خصال العلم والعمل والتواضع المستمر (…) وله إنجازات علمية غزيرة وخبرات وظيفية أهلته ليكون أول مدير لمؤسسة أرشيف المغرب (…) وهو باحث مسكون بالتاريخ (…) في طريق التقصي وإنطاق الوثيقة”، قبل أن تبرز “الخيوط الرفيعة” التي “تربط الأرشيف بمتطلبات حفظ حقوق الإنسان”؛ لأن مجال حفظ الذاكرة والتاريخ بجميع روافده وبناء ذاكرة مشتركة عادلة، من المهام والمداخل التي تؤسس “ضمانات عدم التكرار”، في توظيف لتعبيرِ أثير لدى هيئة الإنصاف والمصالحة والحركة الحقوقية المغربية عند الحديث عن “سنوات الرصاص”.