من “وصف إفريقيا” إلى “فنّ الحرب” .. الكتب المسموعة كنز معرفي لا ينضب
تشتكي من المحتوى التافه؟
إليك البديل:
تُصغي إلى 10 ساعات مسموعة من كتاب “وصف إفريقيا” للحسن الوزان الملقب بـ”ليون الأفريقي”، 4 ساعات من “المغرب الذي كان” لـ والتر هاريس، عشرات الساعات من “قصة الحضارة” للفيلسوف والمؤرخ الأمريكي ويل ديورانت وزوجته أريل ديورانت. 11 ساعة من كتاب رسالة ابن فضلان في وصف الرحلة إلى بلاد الترك والروس والصقالبة، 13 ساعة من تاريخ الدولة العثمانية، ساعة ونصف ذهبية من كتاب أسباب سقوط الإمبراطوريات والدول العظمى للضابط جون غلوب الذي يبين الفارق بين التاريخ كدعاية والتاريخ كتحقيق.
بحث عميق عن منطق صعود وسقوط الإمبراطوريات. يهاجم جون غلوب باشا الانتقائية في تناول المراحل التاريخية الذهبية المزدهرة، ويتتبع الأنماط المتكررة في السياسة والاقتصاد والمجتمع في الإمبراطوريات…
يعكس مناج الكتاب الجهد الذي بذل فيه. كتاب رهيب يظهر وزن الاقتصاد في التاريخ والسياسة.
المال محرك الدول؛ وهو ما يثبته ليون الإفريقي.
حاليا، يدرس طلبة معاهد التجارة والتسيير ذات الاستقطاب المحدود المحاسبة والتجارة والقيمة المضافة دون أن يعرفوا أبدا كتاب آدم سميث “ثروة الأمم” ولا كتاب كارل ماركس “الرأسمال”.
غلوب باشا عسكري يكتب التاريخ بمنهج دقيق بخلاف الكتب العربية التي تعاني من كثرة الاستشهاد بالأقوال وغلبتها على الوصف والمعاينة والتوثيق.
التاريخ وقائع، وليس إرادة ونوايا.
تكشف الكتب المسموعة أن في التاريخ طبقات رسوبية متباينة لا تتكشف من أول وهلة. هذا ما ذكره حسن الوزان عما تعرض له تاريخ المغرب:
“ليس ثم شك في أن الرومان عندما انتزعوا هذه البقاع من أعدائهم قد اتلفوا كل الكتابات التي تحمل أسماء المغلوبين، وأبدلوها بكتاباتهم، الخاصة، وذلك كي يهينوا هؤلاء، وهكذا انتزعوا – عدا كرامة الأفارقة – كل ذكر لماضيهم ، كي لا يتركوا سوى ذكر الشعب الروماني، وهذا ما أراد فعله أيضا القوط بالنسبة للرومان، وما فعله العرب بالنسبة للمخالفات الفارسية، وهذا ما يفعله اليوم الا تراك…” يقصد 1500م.
يقول الوزان عن مشكل الزيت في المغرب:
إنه في المغرب يكثر الزيتون في سنة وينعدم في السنة الموالية بسبب طريقة الجني.
ما أشبه اليوم بالأمس.
هكذا يفسر الماضي الحاضر.
بفضل هذه الكتب المسموعة، لم يسبق للمعرفة العميقة أن كانت متوفرة مجانا كما هي الآن، في مجالات اللغات والتاريخ والاقتصاد والسياسة وتدبير المال.
يقدم موقع “يوتيوب” آلاف الكتب النادرة الضخمة المسموعة، والتي توفر للمستمعين كمية هائلة من المعلومات وتمكنهم من الوقوف على مناهج التأليف حين يتم الاستماع لأي كتاب مرات عديدة.
هذه بعض جواهر الكتب:
ـ كيف تدير الحرب؟
يجيب سانت تزو في كتاب “فن الحرب”:
بوضع أفضل الرجال في الصفوف الأمامية يرفع معنويات الجنود ويضعف معنويات جنود العدو.
أين ستقيم معسكرك؟
يجيب سانت تزو: “حيث الطرق والإمدادات وخط العودة”.
كيف يُسهل السماعُ الفهم؟
يسمح تكرار الاستماع باكتشاف ومقارنة مناهج التأريخ الحقيقي والمزيف من الكتب المفيدة. مثلا تقدم كتب تاريخ الإمبراطورية العثمانية معلومات نادرة عن المغرب في صراعه مع الأتراك والاسبان والبرتغاليين… وكيف كان هؤلاء كلهم ينتهزون كل نزاع بين الأمراء في مراكش وفاس لكي يدعموا طرفا ضد آخر فتندلع حرب أهلية مغربية.
حاليا لا يطالع المغاربة الكتب.
الدليل حسابيا:
ينفق المغربي درهما على الكتاب في العام. بينما ينفق الفرد في المتوسط العالمي يبلغ 25 درهما. بحسبة رياضية، هل يفهم الفرد العالمي المطالع خمسة وعشرين مرة أفضل من المغربي؟
لم يسبق للمعرفة العميقة أن كانت متوفرة بهذا الشكل. هذا ما دفع إيلون ماسك إلى دعوة الطلبة إلى التوجه إلى الإنترنيت للحصول على المعرفة المجانية.
بقي أن يملك الشباب العزيمة لاكتسابها.
للإشارة، تعاني بعض الفيديوهات من قراءة فيها أخطاء إعرابية، في فيديوهات أخرى يتجرأ القارئ على التوقف عن قراءة النص الأصلي ليصحح للمؤلف أو يرد عليه ثم يتابع القراءة. وما عليه سوى إتمام القراءة وتخصيص فيديو للرد والتعليق.
منذ عقود قال ميشيل فوكو: لكي نحلم لسنا في حاجةٍ إلى إغماض أعيننا، بل إلى القراءة.
الآن، يكفي أن نستمع.
هيا استمع.
هذا طعم مشجع:
يعتبر فريدريك فيلهلم هيغل “تكوين الذات كفاحا”.. في هذا الكفاح وحدها المعرفة كالذهب لا تصدأ، والباقي يمضي وينسى ويتعفن ويفقد قيمته مع الزمن.
تحصن الكتب الجميع حتى السجناء، مثلا يقدم فيلم (ألكاتراس 1979 إخراج دون سييجل) صورة إيجابية للقراءة.
لم يكن السجين الأعرج (أداء بول بنجامين) الملقب ميستر إنغليش في حاجة إلى الهرب من السجن الجحيم. كان الرجل قويا في السجن لأنه كان صديق الكتب.
لا يتوقف عن المطالعة، لذلك لم يحاول الفرار.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News