رسالة مراكش .. مرميد يفتح النقاش حول الإدارة الفنية للمهرجان الدولي للفيلم
أسدل المهرجان الدولي للفيلم بمراكش الستار عن فعاليات دورته العشرين، التي احتفت بالسينما العالمية وبعقدين من تأسيس المهرجان وانطلاق إشعاعه العالمي، الذي استقطب على مدار سنين الكبار من نجوم ومشاهير عالم الفن السابع إلى المدينة الحمراء المغربية، وانتزعت خلالها المخرجة المغربية أسماء المدير النجمة الذهبية للمهرجان عن شريطها الوثائقي “كذب أبيض”، وهي الجائزة التي أهدتها إلى الملك محمد السادس والأمير مولاي رشيد.
الإعلامي والناقد السينمائي بلال مرميد أشاد، في ركن الاثنين على إذاعة “ميدي1″، بالإنجاز الذي حققته السينما المغربية، والتنظيم المحكم الذي حققته مدينة مراكش في احتضانها للمهرجان الدولي للفيلم الذي يطفئ شمعته العشرين، مشددا على ضرورة فتح النقاش حول الإدارة الفنية للمهرجان.
وهذا نص المقال:
رسالة مراكش..
مهرجاننا مراكش يستحق منا كل التشجيع، نحن الذين رافقناه منذ نسخته الأولى، ودعمناه لأنه يشكل واجهتنا السينمائية الأولى.
مهرجاننا مراكش صار القائمون عليه يتقنون كيفية استقبال الضيوف الكبار، وفازت بنجمته الذهبية أسماء المدير، وتألق كمال لزرق، وكرمنا فيه ابننا المجتهد فوزي بنسعيدي. ماذا إذن عن إدارته الفنية؟
هو ركن من القلب إلى القلب..
في مراكش لم تحدث لحسن الحظ تلك المفاجأة. وسط كل تلك الأفلام التي سبق وشاهدتها في مهرجانات أخرى، كان من المنتظر أن يتم الاحتفاء بالشريطين المغربيين في المسابقة الرسمية. نجمة ذهبية مستحقة لفيلم “كذب أبيض” لأسماء المدير، واعتراف من لجنة التحكيم بـ”عصابات” كمال لزرق.
هذان الشريطان حصدا ويحصدان وسيحصدان الجوائز، منذ أول عرض لهما بمهرجان كان العالمي في ماي الماضي.
في السينما لا مكان للصدف، ومنذ أن تنافسا معاً في فئة “نظرة ما” في كان، وحصلت المدير على جائزة الإخراج، ونال لزرق جائزة لجنة التحكيم، قال عقلاء القوم حينئذ إن الشريطين سيحققان كل النجاحات الممكنة فيما بعد، وهو ما تحقق فعلا.
استمر مسلسل تتويجهما إلى أن احتفت أسماء المدير بالنجمة الذهبية بين ذويها في مهرجاننا مراكش. هي أمور إيجابية جدا، ثم ماذا بعد؟
هو ركن من القلب إلى القلب،
لنتكلم بهدوء، ولنحاول أن نتواصل قليلاً ولنبسط الفهم. ما المقصود بإدارة فنية لمهرجان سينمائي دولي؟
الإدارة الفنية تتطلب بروفايلات يُشهد لها بكثير من الإلمام وسط دائرة محصورة وضيقة من كفاءات لها قدرة على جعل مهرجان ما نقطة انطلاق تألق أفلام معينة، بتوجه معين، وبأهداف معينة.
الإدارة الفنية لم ولن تكون مجرد تنقل بين مهرجانات أخرى، وجلب أفلام تعرض هنا وهناك، وبرمجتها فيما بعد وإعادة الدفاع عنها. الإدارة الفنية تتوج ذلك المجهود الكبير الذي تقوم به إدارة كل مهرجان، وفي مراكش يجب الافتخار بالإرادة الكبيرة، والمجهودات الضخمة التي تقوم بها مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش.
هذه المجهودات الجبارة كنت من أوائل من دعوا منذ الدورات الأولى إلى أن تواكبها إدارة فنية في المستوى، تجعل من مهرجاننا مكاناً يستقبل العروض الأولى لأفلام أولى أو ثانية لأصحابها.
تريدون أمثلة أيها السادة؟
أود أن أحيي ذلك الشخص الذي لا أعرفه وسط تلك الإدارة الفنية التي يقودها تييري فريمو، والذي استطاع أن يمنح أسماء المدير فرصتها الأولى في مهرجان كان.
هذا الشخص يستحق انحناءة تقدير لأنه منح كذبها الأبيض فرصة التألق، وفرصة التنقل بين المهرجانات، ونيل عشرات الجوائز، واللقاء بالآلاف المشاهدين في كل بقاع العالم. هذا الشخص هو الذي أنقذ مجهودها الكبير، وتعب سنوات من الاشتغال، وجعلنا نحن المغاربة نفتخر فيما بعد بابنتنا التي صنعت شريطا حول مرحلة حساسة من ماضينا، بدون أن ينال مشروعها تسبيقا على المداخيل من لجنة الدعم.
الآن بعد أن أثبتت كفاءتها، ونالت ما نالته من مديح مرفوق بالعديد من الجوائز، صارت الطريق سالكة أمامها، وبإمكانها أن تنال دعم ما بعد الإنتاج.
هو ركن من القلب إلى القلب..
مهرجان مراكش السينمائي الدولي بلغ نسخته العشرين، والآن نتطلع بعين كلها تفاؤل إلى مستقبل نصل فيه لريادة مستحقة، وهذه الريادة ستساهم فيها تلك الإدارة الفنية التي تساير عصرنا، وتساير طموحات مغربنا الذي ينجب الكفاءات في كل الميادين.
أسماء المدير وكمال لزرق شابان من مئات آخرين ينتظرون فقط تلك الفرصة ليؤكدوا للعالم بأننا لسنا أقل إبداعاً من بلدان أخرى كنت شخصياً أعطي بها المثال في كل مناسبة.
هناك شبان من بني جلدتنا، وآخرون ينتمون لقارتنا أنهوا الاشتغال على أشرطتهم الأولى، وهم يتمنون أن تتاح لهم الفرصة لاستعراض موهبتهم، وتقديم أفلامهم في عروض عالمية أولى عندنا وبيننا. هؤلاء لا يبحثون بالضرورة عن المهرجانات التي تدفع أكثر كما يردد كثيرٌ من الكسالى، بل يبحثون عن المهرجان الذي يقدرهم ويقدر عطاءهم.
في الأيام المقبلة سأسرد أسماء بعضهم، وكلنا تفاؤل بأن الغد سيكون أجمل.
في الحوار الذي سجلته مع النجم ويليم دافوي، أفضى الرجل بأنه مستعد للعودة إلى مراكش دائماً وأبداً، وبأن دعوة المغرب لا يمكن أن ترد لأن هذا البلد عظيم بكل تفاصيله. هو عظيمٌ فعلا، ومهرجان مراكش واعدٌ،
تبقى فقط الإشارة إلى أن الأوان قد حان فعلاً لكي نفتح نقاشاً بخصوص إدارته الفنية في الدورات القادمة.
عاش المغرب العظيم بأبنائه الأكفاء، والسلام.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News