“شاعر يمرّ” .. متحف محمد السادس يعرض لوحات و”بصمات” اللعبي

حياةُ أدب ورسم وترجمة ورأي سياسي وفكري، يحكيها معرض جديد لأعمال الشاعر عبد اللطيف اللعبي الفنية، ومسارِه، استقبلَه متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط.

بعنوان “شاعر يمرّ”، يقدّم هذا المعرض نتاجَ عمر الأديب البارز عبد اللطيف اللعبي الحاصل على جائزة “غونكور” الرفيعة في مجال الأدب الناطق باللغة الفرنسية، ويقدّم أيضا “حماس عصر بأكمله” كان فيهِ قلمُ وصوت وموقفُ هذا العَلِم مؤثِّرا في المشهد الأدبي والسياسي والثقافي بالمغرب والمنطقتين الناطقتين باللغتين العربية والفرنسية، كما وجدَ صداه في لغات أخرى من بينها الإسبانية والإنجليزية.

إعلان "شاعر يمرّ" .. متحف محمد السادس يعرض لوحات و"بصمات" اللعبي

وفضلا عن جانب الشهادة على المسارِ حينَ يصيرُ جزءا من التاريخ الراهن، يسلّط هذا المعرض الضوء على جانب مغمور من شخصية عبد اللطيف اللعبي الإبداعية، هو لوحاته ورسومه التي تدفّقت عبر ريشته منذ 15 سنة، بعد حياة عرف فيها عن قرب أبرز الفنانين التشكيليين المغاربة، وتجارب تشكيلية بارزة عربية وأجنبية.

ومن أغلفة مجلة “أنفاس”، التي تأسّست قبل ما يزيد عن نصف قرن، وخلّفت صيتا كبيرا في التاريخ الثقافي والسياسي للمغرب لم يُنهه إقفالها والاعتقال السياسي لمؤسّسها وناشرها اللعبي زمن “سنوات الرصاص”، تنطلق رحلة الزائرِ في ذاكرة الشاعر.

"شاعر يمرّ" .. متحف محمد السادس يعرض لوحات و"بصمات" اللعبي

أغلفةٌ ترافقها اقتباساتٌ من مقالاتها هي دليلُ ريادة المجلة، فمن دور الفنان والأديب وعلاقتهما بالمجتمع، وضرورة أن يتأسّس الإبداع على قاعدة “تغيير العالم” في عدَد “من أجل الثورة الفلسطينية”، إلى الحاجة إلى إعادة النظر في تعريف “الثقافة المغربية”، بتنبيه سبق بنصفِ قرن الاعتراف الدستوري سنة 2011 بتعدد مكونات الهوية المغربية، قائلا فيما معناه إنه إضافة إلى التكوين التاريخي والراهن للمجتمع المغربي عبر الثقافة العربية والإسلامية، قد تغذّت الثقافة المغربية أيضا، منذ بدايتها، بمنابع أمازيغية، ويهودية، وصحراوية، وإفريقية، ومتوسطية.

معرض “شاعر يمرّ” محطّاتٌ، منها عطاء اللعبي في الشعر والأدب والترجمة و”الانتخاب الشعريّ”، فتتجاور المؤلّفات والأغلفة الصادرة عبر العقود بلغات متنوّعة للإنسان، وَاقتباسات من شعر عبد اللطيف:

"شاعر يمرّ" .. متحف محمد السادس يعرض لوحات و"بصمات" اللعبي

أشهدُ أن لا إنسان

إلّا الذي يخفق قلبُه حُبّا

لكلُّ إخوته في الإنسانية

الذي يتطلّع بشوق

من أجلهم أكثر مما لنفسه

إلى الحرية والكرامة والسلام

الذي يؤمن بأن الحياةَ أكثر قداسة

من معتقداته وآلِهته.

أشهد أن لا إنسان

إلا من يُحارب الكُرْهَ بلا هوادة

في دواخِله وحوالَيه

الذي ما إن يفتَح عينيه في الصباح

حتى يسأل:

ماذا عليّ اليومَ أن أفعلَ

كي لا أفقد صِفَتي واعتزازي

كإنسان؟

هوية اللعبي، كما عرّف بها قُدّام جمهور الصحافيين والفنانين والفاعلين الثقافيين، مساء الثلاثاء، في افتتاح معرضه: شاعر.

"شاعر يمرّ" .. متحف محمد السادس يعرض لوحات و"بصمات" اللعبي

ويقول معرض الشاعرِ في شقّه الخاص باللوحات إن اكتشافَهُ طاقةً فيهِ ظلّت مجهولةً معظم سنين عمره، قبل أن تَنبَجِس رسوما طرد عن الورَقِ بياضه، لم يزاحم شِعره بل كان احتفاء بالشعر بطريقة أخرى؛ “تدعو الكلمات إلى استراحة مستحقّة وهي تغوص، ولو لبرهة من الزمن، في بهاء الصمت”.

لكن، رغم أن هذا المعرضَ معرضُ عبد اللطيف اللعبي، إلا أنّه لم يحضر وحده، بل رافقته، جسدا وروحا، رفيقة عمره الروائية جوسلين اللعبي، ورافقته ذكرى رفاق عديدين، صورا، وأسماء، وذكريات؛ فـ”لا يمكن أن ننسى إنسانا هو فينا”، ولو رحل جسدا، فإنه “يستمر، بعد أن نقل لنا كلّ ما عشناه معه، وأغنانا”.

"شاعر يمرّ" .. متحف محمد السادس يعرض لوحات و"بصمات" اللعبي

اللعبي الذي حضر مبتسما في افتتاحِ معرضه بمتحف الرباط بتصوّر يرى فيه استجابة لـ”هاجس أن نترك للآخرين بصمات عن مرورنا من هذا الكوكب”، لم تغادِرْهُ الابتسامة إلا وهلة حين تذكّر علَمَ السينما وتدريس الفلسفة نور الدين الصايل الذي كان “ذا نضج فلسفي نادر”، وعلَم التشكيلِ محمد شبعة الذي “كان يغنّي الأغنية الشرقية بصوت جميل وبحّة خاصّة”، لكنه استدرك قائلا: “نفقد أناسا شاركنا معهم الكثير، لكن يستمرون في إنارتنا من الداخل، وإظهار الطريق لنا”، قبل أن يرحّب، بعد تفاعل، بالزوّار في معرضه الذي يقدّم “نظرة مفتوحة على عدة أشياء في وقت واحد”، ويعبر بينَ الناسِ وهم يكتشفون بصماتِ عيشه؛ شهادةَ وُجُودِه.

زر الذهاب إلى الأعلى