دراسة نقدية جديدة لـ”معركة العِقاب ومصير المسلمين بالأندلس”، صدرت للباحث المغربي المتخصص في التاريخ عبد الواحد بنعضرا، عن دار أفريقيا الشرق، قال عنها المؤرخ المصطفى بوعزيز إنها “بحث متميز، يسائل البنى العميقة للمخيال الجمعي للغرب الإسلامي. فمن شبكة الأحداث السياسية والاجتماعية التي تتعاقب في إطار جغرافي واقتصادي خاص، ينطلق ليغوص في محيط الذهنيات… ليزود المكتبة التاريخية المغربية بقيمة مضافة نوعية”.
ويسعى هذا الكتاب إلى دراسة دور معركة العقاب (1212م) في “تقرير مصير المسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية”، مع “تحليل القوالب الجاهزة، ونقد الصور النمطية عن هذه المعركة”، والبرهنة على أن “نهاية الأندلس تتجاوز معركة العقاب وترتبط أشد الارتباط بالبدايات؛ أي بظروف دخول المسلمين الأندلس في البداية وما نتج عنه من تداعيات أسهمت في هشاشة وضعية الأندلس”، لتخلص الدراسة إلى أن الأندلس “وُلِدت وهي تحمل معها أسباب نهايتها”.
ومع تعدد الدراسات التي تناولت موضوع معركة العِقاب (بكسر العين)، الإسهام الرئيسُ لهذا العمل هو “تناول الموضوع من خلال آفاق أخرى، من جهة بالاعتماد على المناهج التاريخية الجديدة، ومن جهة بالاستفادة من إسهامات العلوم الإنسانية الأخرى.”
وتسعى الدراسة في مطلعها إلى “التعرف على تأثير معركة العقاب في المناطق التابعة للموحدين، على أساس أن هذه المناطق عرفت أزمة بفعل الهزيمة”، ويقول عبد الواحد بنعضرا: “لاحظنا، بعد تقدّمنا في العمل، أن الأمر ليس بهذا الوضوح، فقد تضافرت مجموعة من العناصر لثَنْيِنا عن السير قُدُما فيما نحن بصدده؛ ومن بين تلك العناصر مجاعة 610 هـ/1213م وما تلاها من مجاعات أخرى، والصراع بين الموحدين أنفسهم على العرش بعد معركة العقاب، بل ردة فعل الأندلسيين أنفسهم التي أسهمت في إضعاف الوجود الموحدي في الأندلس حيث عملوا على استقلالها عن الموحدين والدعوة لمبايعة غيرهم وخاصة العباسيين في المشرق.”
وزاد: “تنبّهنا إلى وقوع معركة العقاب بين معركتين لم تقلاّ عنها أهمية: معركة الأرك (591 هـ/1195م) ومعركة ماردة (626 هـ/1229م)؛ فالانتصار الذي حققه الموحدون في الأولى لم يمنع من وقوع هزيمة العقاب. في المقابل، فالهزيمة في الثانية بقيادة ابن هود كانت أكثر خطرا من هزيمة معركة العقاب، وهو ما أغفلته الكثير من المصادر العربية التي لم تسلط الضوء على معركة ماردة.”
يضاف هذا إلى “العمل الذي قام به ابن الأحمر الذي سعى للسيطرة على جزء صغير مما كان يسمى الأندلس كتابع لملك قشتالة خاضع له وملتزم بتبعات تلك التبعية، مما أسهم في ضياع الكثير من مناطق الأندلس”، وهي عوامل تكشف أن “الأمر أعمق من أن تتسبب هزيمة عسكرية في معركة، فكيف بإمكان معركة واحدة زمن الناصر الموحدي أن تقضي على إمبراطورية كبيرة بلغت أوجّها مع الناصر نفسه بعد ضمها لجزيرة ميورقة ولمّا يمض إلا وقت قصير على انتصار معركة الأرك؟ كيف لمعركة واحدة أن تتسبب في ضياع الأندلس؟ لولا أن العطب كامن من قبل… والسؤال الأكبر: ما الذي كسبه الموحدون بعد انتصار الأرك؟ فقد بدا لنا أن انتصارات الموحدين ما كانت لتغير في مصير الأندلس شيئا سوى تأخير النهاية، لوجود ضغط كبير من الشمال إلى الجنوب من قِبل الممالك الإسبانية”.
ويقول المتخصص في التاريخ إن “تدخل الموحدين والمرابطين من قبْلهم هو الذي أخرّ النهاية نسبيا، هذا مع العلم أن المرابطين أنفسهم انتصروا في معركة الزلاقة ومع ذلك لم يستطيعوا استعادة طُليطلة”، ما يعني أن “سيرورة ضياع الأندلس انطلقت قبل المرابطين”، وبالتالي “الأندلس وُلِدت وهي تحمل معها أسباب نهايتها؛ أي إن البدايات حملت في رحمها جرثومة النهاية، إذ تسببت ظروف دخول المسلمين لشبه الجزيرة الإيبيرية في الوضعية الهشة للأندلس. ولعل ضياع صقلية نفسه دون قدرة المسلمين على استرجاعها، أكدّ لنا أهمية الانتباه إلى أعطاب البدايات، وبالتالي إلى ظروف دخول المسلمين لتلك المناطق وتداعياتها.”
وقسم هذا الكتاب الجديد إلى أربعة فصول، ناقش الفصل الأول مجموعة من المفاهيم، أما الفصل الثاني فتطرق لضبط اسم معركة العِقاب، وتناول تداعيات المعركة على الأندلس ومصير المسلمين بها، من خلال مناقشة ما جاء في المصادر العربية عن علاقة المعركة بما وقع بعدها في الأندلس، ومن خلال وضع مجهودات الأندلسيين لإنقاذ ما تبقى من الأندلس موضع النقد والدراسة.
أما الفصلان الثالث والرابع فناقشا أعطاب البدايات من خلال تناول ظروف دخول المسلمين لشبه الجزيرة الإيبيرية وتداعيات ذلك على الأندلس التي تميزت بوضعية هشة هددت مصير المسلمين بها، ما تولدت معه “القابلية للنهاية”، وهو ما “برز واضحا في موضوع النبوءات القائلة بنهاية الأندلس.”
وعلق المؤرخ محمد ياسر الهلالي على أحدث منشورات بنعضرا بالقول إنه “عمل فيه حفر مهم في المادة المصدرية، واستقراء جيد لها، وتفاعل مهم مع الدراسات ذات الصلة، مما جعله يقدم إضافات متميزة في الموضوع… عمل يستحق القراءة”، فيما ذكر المؤرخ محمد العمراني أنه لا يسعه “سوى التنويه بقيمة المضامين المعرفية وبأهمية المعلومات التي جاءت بها هذه الدراسة، والتي أثارت عدة تساؤلات ساهمت في إثارة النقاش حول قضايا من شأنها خلخلة بعض التصورات حول ما قيل عن دور معركة العقاب في تحديد مصير المسلمين في الأندلس، وكذلك عن الفتح الإسلامي لهذا المجال المنتمي للغرب الإسلامي الوسيط”.
وأكد المؤرخ سعيد بنحمادة أن هذا العمل جمع بين “الجودة، والجدية، والجديد”، وقال حميد تيتاو، المؤرخ الحائز على جائزة المغرب للكتاب، إن الباحث قد دافع عن إضافة نوعية مفادها أن “ضياع الأندلس أسهمت فيه عناصر كثيرة، وأن العطب كامن من قبل، ومنذ أزمنة بعيدة عن تاريخ هزيمة العقاب”.

 
                     
   
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                    