النهار المغربية – برشلونة: عمر الرزيني
أعادت وفاة الشاب المغربي هيثم، البالغ من العمر 35 عاماً، في مدينة توريمولينوس على ساحل كوستا دل سول الإسباني، إشعال النقاش حول ممارسات الشرطة وحقوق الجالية المغربية في البلاد. وتحوّلت الحادثة إلى قضية رأي عام بعد تضارب الروايات بين السلطات الأمنية من جهة، وعائلة الضحية والمجتمع المحلي من جهة أخرى.
الواقعة وقعت الأسبوع المنصرم داخل متجر لبيع الهواتف المحمولة، بعدما توجهت الشرطة الوطنية الإسبانية إلى المكان عقب بلاغ يفيد بوجود محاولة سرقة. وفقاً لبيان الشرطة، كان الشاب يحمل مقصاً ورفض الانصياع لأوامر الضباط، الأمر الذي دفعهم إلى استخدام أجهزة الصعق الكهربائي عدة مرات لإخضاعه.
وبحسب الرواية الرسمية، انهار هيثم بعد تلقيه الصدمات، وتعذرت عملية إنعاشه، قبل أن يُعلن عن وفاته نتيجة سكتة قلبية تنفسية.
كما أكدت الشرطة الوطنية أنّ الضحية كان في “حالة هيجان شديد” ما اضطر عناصرها للتدخل لحماية الموظفين والموجودين في المتجر. كما لم تستبعد احتمال تعاطيه مواد مخدرة قبل الواقعة، مشيرةً إلى أنه أطلق عبارات دينية خلال المواجهة.
ورغم تبريرها لأسلوب التدخل، يواجه عناصر الشرطة انتقادات واسعة من منظمات حقوقية وجمعيات مهاجرين.
و من جانبهم، رفضت عائلة هيثم وسكان المنطقة الرواية الرسمية بشكل قاطع. وأكدوا أن الشاب لم يكن يحاول سرقة المتجر، بل أراد فقط استعارة شاحن هاتف بعد نفاد بطارية جهازه. واعتبروا أن الشرطة لجأت إلى “عنف مفرط وغير مبرر” في التعامل معه.
وظهرت في موقع الحادثة لافتات تطالب بـ “العدالة لهيثم”، فيما وصف المتظاهرون الواقعة بأنها “قتل” وليس “وفاة طبيعية”.
كما باشرت السلطات تحقيقاً رسمياً يتضمن عدة محاور رئيسية:
الفحوصات الطبية
يجري الطب الشرعي اختبارات شاملة لكشف أسباب الوفاة الدقيقة، بما في ذلك تأثير الصعقات الكهربائية، وإمكانية وجود مواد مخدرة في جسم الضحية أو أمراض سابقة غير مكتشفة.
مراجعة تسجيلات المراقبة
تطالب العائلة بنشر تسجيلات كاميرات المتجر والشوارع المحيطة، معتبرة أنها قد تحسم الجدل حول تسلسل الأحداث وطبيعة تفاعل هيثم مع الشرطة.
حيث أثار صمت العديد من الجمعيات المدنية الإسبانية استياء الجالية المغربية، التي ترى أنّ هذه المنظمات تركز على الأنشطة الثقافية ولا تولي اهتماماً لقضايا التمييز والعنف الشرطي. كما يشير ناشطون إلى أن الجمعيات الإسلامية تخضع لقيود قانونية تحد من قدرتها على الدفاع عن حقوق أفراد الجالية.
و تأتي هذه الحادثة في سياق سلسلة وقائع مماثلة كان ضحيتها مهاجرون مغاربة، من بينها وفاة شاب آخر في مدريد على يد شرطيين كانا خارج أوقات العمل وتحت تأثير الكحول. ويخشى الكثيرون أن تعكس هذه الأحداث نمطاً خطيراً في تعامل بعض عناصر الشرطة مع الأقليات.
كما يؤكد ناشطون أن تكرار مثل هذه الحوادث، مع غياب استجابات مؤسسية قوية، يعمّق شعور المهاجرين بالتهميش ويزيد من انعدام الثقة بينهم وبين السلطات الإسبانية. كما تجد عائلات الضحايا نفسها في مواجهة معقدة مع إجراءات قانونية طويلة ومكلفة دون دعم كافٍ.
كما تطالب الجالية المغربية بتحقيق شفاف ومستقل ومحاسبة المسؤولين عن الوفاة، إضافة إلى مراجعة سياسات استخدام القوة والتدريب على التعامل مع الأقليات. كما يدعو حقوقيون إلى وضع ضوابط أكثر صرامة بشأن استخدام أجهزة الصعق الكهربائي.
يتوقف مستقبل هذه القضية على مدى الضغط الشعبي والإعلامي، ودور المنظمات الحقوقية، واستعداد السلطات الإسبانية لاتخاذ خطوات عملية نحو إصلاحات حقيقية.
تبقى كرامة المهاجرين وحقوقهم الإنسانية مسألة غير قابلة للتفاوض، فيما ينتظر الجميع نتائج التحقيق لمعرفة ما إذا كانت هذه المأساة ستقود إلى تغيير ملموس أم ستنضم إلى سلسلة طويلة من القضايا المؤلمة
