الملك محمد السادس والجيل الجديد من الدبلوماسية التنموية في الصحراء المغربية

حجم الخط:

د. جمال العزيز

يُشكِّل القرار الأممي الأخير بشأن الصحراء المغربية محطة جديدة في مسار دبلوماسي طويل قاده المغرب بثبات وحكمة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. قرار أعاد التأكيد على مرجعية المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل جاد وواقعي، وأبرز مرة أخرى مكانة المملكة كفاعل موثوق به في الساحة الإقليمية والدولية.

لكن ما يميز المرحلة الراهنة، ليس فقط تأكيد الشرعية الأممية للموقف المغربي، بل بروز جيل جديد من الدبلوماسية التنموية التي يقودها جلالة الملك، حيث تتحول الصحراء المغربية إلى نموذج عملي يجمع بين السياسة والتنمية، بين الشرعية والإبتكار، وبين الإنتماء الوطني والإنفتاح الإقليمي.

لقد استطاع المغرب أن يُطوِّر رؤيته لقضية الصحراء من منطق الدفاع إلى منطق البناء والإقناع، معتمدا على ركيزتين متكاملتين: الإبتكار المفتوح في التنمية، والإبتكار الدبلوماسي في إدارة العلاقات الدولية. فالمشاريع الكبرى التي تشهدها الأقاليم الجنوبية ،من ميناء الداخلة الأطلسي إلى الطريق السريع تيزنيت الداخلة، مرورا بالمنطقة الإقتصادية الإفريقية الجديدة ،ليست مجرد مشاريع بنيوية، بل رسائل سياسية متقدمة تؤكد أن التنمية أبلغ من أي خطاب، وأن الشرعية تُترجِم بالأفعال لا بالبيانات.

فالمغرب لا يراهن على الدولة وحدها، بل يُشرِك جميع الفاعلين، في صياغة نموذج تنموي يقوم على المشاركة والإبداع الجماعي. هذا التوجه يتماشى مع روح الدبلوماسية الجديدة التي أسس لها جلالة الملك، حيث يصبح المواطن فاعلا في الدفاع عن الوحدة الترابية من خلال عمله ومساهمته في بناء المستقبل.

إن التحول الذي تعرفه الأقاليم الجنوبية اليوم ليس وليد الصدفة، بل ثمرة هندسة ملكية مُتجددة تمزج بين الرؤية الإستراتيجية والحكامة الإبداعية. فخطاب جلالة الملك مباشرة بعد القرار الأممي، جاء ليؤكد أن التنمية بالأقاليم الجنوبية هي الجواب الواقعي على الأطروحات المتجاوَزة، وأن الرهان الحقيقي لم يعد على الخطابات الإنفصالية، بل على قدرة المغرب على تحويل الصحراء إلى فضاء للإستثمار والإستقرار والتكامل الإفريقي.

لقد نجح المغرب في نقل معركته من مجال الترافع السياسي إلى ميدان الإنجاز التنموي، ومن لغة الصراع إلى لغة التعاون. وهذا التحول يعكس جيلا جديدا من الدبلوماسية الملكية، قوامه الفعالية بدل الخطابة، والمبادرة بدل الإنتظار، والإبتكار بدل التكرار. إنها دبلوماسية ترى في التنمية أداة للسلام، وفي التعاون الإفريقي امتدادا استراتيجيا للوحدة الترابية.

اليوم، ومع ازدياد عدد الدول التي تفتح قنصلياتها في العيون والداخلة، ومع اعترافات متزايدة بشرعية الطرح المغربي، يتأكد أن النموذج المغربي في الصحراء أصبح مرجعا دوليا في إدارة النزاعات الإقليمية عبر التنمية والإبتكار. فالقضية لم تعد فقط قضية حدود، بل قضية رؤية ملكية تبني المستقبل على أساس الأمن، والإزدهار، والإنفتاح الذكي على العالم.

إن جلالة الملك محمد السادس لا يقود فقط معركة دبلوماسية، بل يؤسس لمرحلة جديدة من الدبلوماسية التنموية التي تجعل من الأقاليم الجنوبية مختبرا لسياسات عمومية متقدمة، ومن الصحراء المغربية مركز إشعاع إفريقي ودولي. وبهذا المعنى، فإن الدفاع عن مغربية الصحراء لم يعد شأنا سياديا فحسب، بل أصبح أيضا مشروعا حضاريا مغربيا يجسد روح الإبتكار والإنفتاح والإلتزام بمستقبل مُشترَك أكثر استقرارا وعدلا.