قانون المسطرة الجنائية الجديد: مكاسب مهمة و تحديات قائمة

قانون المسطرة الجنائية الجديد: مكاسب مهمة و تحديات قائمة
حجم الخط:

أصدر المغرب القانون رقم 03-23، بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 8 شتنبر 2025. ويُمثل هذا القانون محطة مهمة في إصلاح العدالة الجنائية، معبراً عن إرادة سياسية وقانونية لإعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات العدالة، مستجيباً جزئياً لمطالب الفاعلين الحقوقيين والمجتمع المدني. لكن، يكشف تحليل النص عن مفارقة: فمن جهة، يُقرّ القانون مكتسبات تعزز ضمانات المحاكمة العادلة، ومن جهة أخرى، يستمر في فرض قيود تجعل الإصلاح غير مكتمل.

أبرز مكاسب القانون الجديد تمثلت في تعزيز دور الدفاع، حيث نصّ على حق الموقوف في الاتصال بمحاميه منذ الساعة الأولى للحراسة النظرية (باستثناء قضايا الإرهاب)، وإلزام حضور المحامي عند استنطاق القاصرين وذوي الإعاقة. كما مكّن القانون الدفاع من حضور استنطاق النيابة العامة للمتهم، مع حق تقديم الوثائق وطرح الأسئلة وإبداء الملاحظات. لكن، يبقى السؤال مطروحاً حول قدرة مؤسسات العدالة على تطبيق هذه المقتضيات فعلياً، وتجاوز الثقافة القديمة التي كانت تُحصر المسطرة في يد النيابة العامة والشرطة القضائية. كما سعى القانون لتعزيز شفافية المحاضر عبر التسجيل السمعي-البصري عند التلاوة والتوقيع، لكن دون شمولية، مع محدودية التسجيل بلحظة التلاوة فقط. أما بخصوص الاعتقال الاحتياطي، فالقانون عمل على تقليص مدده، واقترح بدائل كالمراقبة القضائية والسوار الإلكتروني، لكن تبقى هذه البدائل رهينةً بالموارد التقنية والبشرية المتاحة. أخيراً، وسّع القانون نطاق العدالة التصالحية، لكن نجاحها يتوقف على توفير بنية تنظيمية فعّالة. فيما يتعلق بالرقابة على النيابة العامة، أقرّ القانون إمكانية التظلم من قرارات الحفظ، لكن هذه الرقابة تبقى داخل الجهاز نفسه، دون آليات مستقلة تكفل التوازن بين سلطة الاتهام وحقوق الأفراد. يُعدّ القانون خطوة إيجابية، لكن يبقى أكتمال الإصلاح رهيناً بجرأة أكبر في معالجة القضايا القائمة.