كاتبة هولندية تكشف تورط ميليشيات البوليساريو في تغذية الإرهاب بسوريا

كشفت الكاتبة والصحافية الهولندية رينا نيتجيس (Rena Netjes)، الباحثة المتخصصة في قضايا الشرق الأوسط، التي راكمت خبرة طويلة في متابعة النزاع السوري ميدانيا وإعلاميا، تفاصيل مثيرة حول تورط جبهة البوليساريو الانفصالية في شبكة الميليشيات الأجنبية التي رعتها إيران على الأراضي السورية.

وأوردت الكاتبة، في مقالها المنشور على منصة DAWN للديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان لجميع شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن حضور مقاتلين أجانب ينتمون إلى جبهة البوليساريو داخل الساحة السورية يفاقم تعقيدات المشهد، سواء من حيث المساءلة القانونية أو مسار العدالة الانتقالية الذي تأمل أطراف دولية ومحلية ترسيخه.

إعلان كاتبة هولندية تكشف تورط ميليشيات البوليساريو في تغذية الإرهاب بسوريا

وأوضح التقرير الصحافي، المعنون بـ”البوليساريو في سوريا: كيف تعقّد الميليشيات الأجنبية مسار العدالة الانتقالية”، أن تجنيد عناصر من مخيمات تندوف للقتال في صفوف ميليشيات موالية للنظام السوري يشكل امتدادا لمسارات عابرة للحدود في توظيف المرتزقة، وهو ما يضع تحديات إضافية أمام أي مسار لتسوية سياسية شاملة في سوريا.

وأضافت نيتجيس أن وجود مقاتلين ينحدرون من منطقة الصحراء ضمن تشكيلات مسلحة تورطت في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان لا يطرح فقط أسئلة حول دور البوليساريو في النزاعات الإقليمية، بل يعقّد كذلك الجهود الأممية الرامية إلى فتح صفحة جديدة بعد سنوات الحرب المدمرة.

واعتبرت الكاتبة أن ملف العدالة الانتقالية في سوريا لن يكون معزولا عن هذه الحقائق، لأن إشراك أطراف ارتبطت بالميليشيات الأجنبية أو التغاضي عن محاسبتها قد يُفرغ المسار برمته من مضمونه، مشيرة إلى أن توثيق هذه الظواهر يمثل مدخلا أساسيا لفهم طبيعة الصعوبات التي تعترض التسوية.

ولفت التقرير الانتباه إلى أن المعلومات المتوافرة بعد انتهاء الحرب بدأت تكشف تفاصيل أوضح عن نشاط الجماعات الأجنبية، إذ نقلت صحيفة واشنطن بوست في أبريل 2025 عن مسؤولين إقليميين وأوروبيين تأكيدهم وجود مقاتلين من جبهة البوليساريو في سوريا، تلقوا تدريبات عسكرية على يد إيران، وأن المئات منهم باتوا رهن الاعتقال لدى السلطات الأمنية السورية الجديدة.

وأشارت نيتجيس إلى أن دويتشه فيله العربية بثت في مايو صورا نادرة لمقاتلي البوليساريو في سوريا، كما كشفت وثيقة مؤرخة عام 2012 صادرة عن فرع أمني سوري عن وجود 120 مقاتلا صحراويا من أربع كتائب ضمن صفوف الجيش السوري، إضافة إلى اجتماعات بين قيادات من البوليساريو وحزب الله في بيروت مطلع 2011.

وبخصوص الدعم الإقليمي أوضح التقرير أن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة اتهم في 2018 إيران وحزب الله بتسليح وتدريب عناصر البوليساريو عبر السفارة الإيرانية في الجزائر. وأكد باحثون سوريون أن التدريب العسكري تم في معسكرات حزب الله في سهل البقاع اللبناني، بينما اقتصر مكتب البوليساريو في دمشق على الأدوار السياسية، مشيرين إلى أن “وجود البوليساريو لم يكن ذا قيمة عسكرية كبيرة، بل كان ورقة ضغط سياسية على المغرب والولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته دعما للجزائر التي دافعت عن بقاء نظام الأسد وإعادته إلى جامعة الدول العربية”.

وأفادت الكاتبة بأن انهيار النظام السوري في ديسمبر 2024 أدى إلى فرار بعض مقاتلي البوليساريو نحو لبنان مع عناصر حزب الله وضباط النظام، فيما انسحبت ميليشيات إيرانية نحو العراق، مضيفة أن “العشرات من عناصر البوليساريو أُلقي عليهم القبض قرب مطار أبو الظهور في ريف إدلب الشرقي أواخر العام الماضي”.

وأكدت نيتجيس أن وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف حاول في فبراير 2025 التوسط لدى دمشق للإفراج عن عسكريين جزائريين ومقاتلي البوليساريو المحتجزين، لكن الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع رفض الطلب، مشددا على أن “نحو 500 منهم سيُحالون على المحاكمة”.

ونقلت الكاتبة عن مستشارة رئيس البوليساريو في الشؤون الإعلامية والعربية أن الجبهة تنفي تورطها في النزاع السوري، واعتبرت التقارير جزءا من “دعاية مغربية”، لكنها لم تُنكر وجود مكتب للبوليساريو في دمشق؛ وهو ما أكدت مصادر سورية أنه أُغلق في مايو الماضي.

وأوضحت نيتجيس أن وجود مقاتلي البوليساريو إلى جانب ميليشيات أجنبية أخرى يطرح تحديات كبيرة لمسار العدالة الانتقالية، إذ أكد رئيس لجنة العدالة الانتقالية السورية عبد الباسط عبد اللطيف أن “اللجنة تسعى إلى التعاون مع ‘إنتربول’ والجهات الدولية لملاحقة رموز النظام، بمن فيهم عناصر من الميليشيات العابرة للحدود، مثل حزب الله”. ومع ذلك لاحظت الكاتبة أن “الجهود مازالت محدودة، ولم ترافق الاعتقالات محاكمات شفافة أو تعويضات للضحايا أو اعتراف بمسؤولية الجهات التي جلبت تلك الميليشيات”.

وختمت الكاتبة بالإشارة إلى أن قضية البوليساريو في سوريا تمثل نموذجا لتعقيدات العدالة الانتقالية، حيث تتقاطع حيثيات النفوذ الإيراني، والدعم الجزائري، واستغلال نظام الأسد للجماعات الانفصالية كورقة ضغط، لتترك السوريين أمام إرث ثقيل من التدخلات الخارجية والجرائم غير المحاسبة، مشيرة إلى أن “السوريين بعد سنوات طويلة من الحرب يطالبون بالحقيقة والمساءلة وبناء مستقبل يقررون فيه مصيرهم بعيدا عن ميليشيات طهران أو مقاتلي الصحراء أو مرتزقة ما وراء الحدود”.

زر الذهاب إلى الأعلى