أصبح خطر الانهيار يهدد المئات من المباني السكنية بالمدينة العتيقة لمراكش، بسبب تقادم البناء العتيق وهشاشته، مباشرة بعد الهزة الأرضية العنيفة، التي ضربت إقليم الحوز ليلة الجمعة 8 شتنبر الجاري، الأمر الذي يكشف عن حجم التحدي الذي لازال يواجه الجهات المسؤولة محليا لتحديد هذا الخطر وإيجاد الحلول المعقولة والممكنة، خصوصا أن أغلب المنازل الآيلة للسقوط صدرت في حقها قرارات إدارية تقضي بالهدم والإخلاء مند سنوات دون أن تجد طريقها للتفعيل.
وتؤكد اللجان المختلطة تفهمها لطبيعة المشكل، وتجندها للحد من خطورته سواء على مستوى الدراسات التي كلفت ميزانية مالية مهمة خولتها معرفة نسبة الخطورة وطبيعتها، مما سهل رصد المقاطعات الأكثر تضررا، وتدخل في هذا الإطار مقاطعة المدينة وبلدية المشور القصبة يليهما مقاطعة سيدي يوسف بن علي، أو على مستوى دعم مادي خصص لهذه الدور حتى يتمكن أصحابها من ترميمها وإعادة إصلاحها.
وكشفت معطيات حصلت عليها “الصحراء المغربية”، أن أغلب المنازل التي تم تصنيفها ضمن المنازل الآيلة للسقوط، تقطنها أزيد من أسرة واحدة، وأحيانا يصل العدد الإجمالي إلى 10 أسر خاصة بحي الملاح.
وفي هذا الإطار، أشار محمد أمين العمراني، أحد سكان حي رياض الزيتون القديم المتضررين من مخلفات الزلزال، إلى هول ما حصل ليلة الجمعة 8 شتنبر الجاري، وما شاهده من دمار وضحايا، لا يزال حاضرا وبقوة في الأذهان، مبرزا أن كل من اهتزت الأرض من تحت أقدامهم انتابهم نفس الإحساس الذي عاشوه لأول مرة في حياتهم.
وأضاف العمراني أحد المهتمين بقضايا التراث، في تصريح لـ”الصحراء المغربية” أن خطر المنازل الآيلة للسقوط بمدينة مراكش، يزداد بعد كارثة زلزال الحوز، مما يتطلب ضرورة احترام الخصائص المعمارية المتفردة في عملية إعادة التأهيل والبناء، على أساس دفتر التحملات، وبإشراف تقني وهندسي بانسجام تام مع تراث المدينة العتيقة، خاصة أن الظرفية الحالية تستدعي التنظيم العمراني الجيد لمواجهة التحديات الطبيعية المرتقبة، بما يشمل الأمطار القوية التي ستهدد المباني الآيلة للسقوط.
وأوضح العمراني أن الهزة الأرضية القوية خلفت خسائر مادية خصوصا على مستوى البنايات التي لم تحترم ميثاق الهندسة المعمارية للمدينة العتيقة، سواء من حيث تجاوزها للعلو المسموح به والمحدد في سبعة أمتار ونصف المتر، واستعمال الإسمنت المسلح في بنائها.
وأكد على ضرورة مشاركة مهنيي البناء في عمليات إعادة إعمار المناطق المتضررة حسب حاجيات السكان المعنيين ووفق المعايير والمواصفات الهندسية والمعمارية التي تنسجم مع تراث هذه المناطق واحترام خصائص بناياتها.
وقال العمراني، في هذا الصدد، هناك مسؤولية الآن ملقاة على عاتق المهندسين المعماريين، وعلى المقاولات المكلفة بإعادة ترميم البنايات التاريخية المتضررة من الزلزال، بعد عملية جردها بهدف تحديد الأضرار التي لحقت بالبنايات، وكذا القيام بمعاينة ميدانية يمكن من خلالها الخروج بخلاصات حول ما إذا كانت البنايات تحتاج إلى الهدم أو الإصلاح أو التدعيم، وما إن كانت تشكل خطرا على السكان المجاورين.
وعبر عن ارتياحه لهذه العملية التي تندرج في إطار التدابير المتخذة للتخفيف من آثار زلزال الحوز ومساعدة السكان على التغلب على الأضرار التي لحقت بالبنايات.
وحسب العمراني، فإن الحفاظ على الخصوصيات المعمارية والعمرانية الأصيلة للمدينة العتيقة لمراكش وتثمين العناصر الهندسية المحلية وأخذها بالاعتبار أثناء إنجاز التصاميم المعمارية للبنايات والقيام بعمليات التهيئة والترميم بالمدينة القديمة، أضحى اليوم مسؤولية وطنية وتراثا ثقافي لامادي، لأن المدينة الحمراء تضم أهم المآثر التي تعود الى دولة المرابطين والموحدين.
وأضاف العمراني أن مجموعة من المباني التاريخية بحي رياض الزيتون القديم الممر الرئيسي لساحة جامع الفنا والى المآثر التاريخية الشهيرة، تعرضت لأضرار متفاوتة، أغلبها تعود ملكيتها لأسر عريقة بمراكش من قبيل أسرة بنزاكور الأندلسية الأصل وأسرة الشجعي.
ويضيف العمراني أن حي رياض الزيتون القديم، هو نموذج لنمطين من التعمير، النمط القديم الموجود داخل دروبه الداخلية، ونمط عصري تم تشييده في عهد الحماية وهو المدخل المؤدي إلى ساحة جامع الفنا، تعرض هو الآخر لضرر كبير في عدد من أجزائه، مستحضراً أن مراكش قاطرة السياحة الوطنية والداخلية ومصدر إشعاع ثقافي عالمي، شهدت أضرارا لحقت بعض قصورها التاريخية، إذ وصلت شظايا الزلزال المدمر إلى مرافق في قصري الباهية التاريخي والبديع، وطالت التصدعات بعض قباب القصر التاريخي.
من جانبه، أوضح محمد العلوي، محام بهيئة مراكش، أن صاحب المنزل المهدد بالانهيار، يعتبر المعني الاول بالأمر، وذلك حسب القانون 12-94، الخاص بالمباني الآيلة للسقوط، والمادتين 3 و 4 اللتين تؤكدان على أن “مالكي العقارات، يجب أن يتحملوا المسؤولية وأن يخبروا السلطة، والمكترين أيضا يجب عليهم إخبار السلطة إذا كان المنزل الذي يقطنونه في حالة متضررة، وأن يفرغوه بمجرد أن يتوصلوا بقرار الإفراغ من طرف السلطات المحلية”.
وحسب عدد من المهتمين بالشأن المحلي، فإن عملية هدم المنازل الآيلة للسقوط، تواجهها العديد من الإكراهات، خاصة بالنسبة لعملية إفراغ المبنى المهدد بالانهيار بسبب رفض قاطني هذه المنازل مغادرتها لأسباب مختلفة، خصوصا أن أغلب المنازل المذكورة صدرت في حقها قرارات إدارية تقضي بالهدم والإخلاء مند سنوات دون أن تجد طريقها للتفعيل.
وبعد تثمينهم للتعليمات الملكية السامية لتفعيل البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين والتكفل بالفئات الأكثر تضررا من زلزال الحوز، شدد عدد من المهتمين بالشأن المحلي، على ضرورة احترام كرامة السكان، وعاداتهم وأعرافهم وتراثهم، ووضع برنامج مدروس، مندمج، وطموح من أجل إعادة بناء وتأهيل المباني المتضررة.
