النهار المغربية ـ فكري ولدعلي
تحولت الطريق الساحلية الرابطة بين مدينتي الحسيمة وتطوان، التي رُوّج لها كرافعة للتنمية وتقريب المسافات بين مدن الشمال، إلى مصدر قلق حقيقي لمستعمليها. فمنذ وضعها حيز الاستغلال، وهي تسجل انقطاعات متكررة، وحوادث سير مقلقة، إلى جانب انهيارات صخرية متواصلة تهدد السلامة الجسدية للمواطنين والزوار على حد سواء.
الأكثر إثارة للانتباه أن بعض المقاطع المتضررة عرفت اختلالات منذ الأيام الأولى لافتتاح الطريق، دون أن تخضع إلى إصلاحات جذرية إلى حدود اليوم، في مشهد يوحي وكأن الخلل البنيوي أصبح واقعا عاديا يتم التعايش معه بدل معالجته. وبين الفينة والأخرى، تُسجَّل تدخلات محدودة لا تتجاوز عمليات تزفيت ترقيعية لعشرات الأمتار، سرعان ما تعود الأوضاع بعدها إلى سابق عهدها، دون أي معالجة حقيقية لأسباب التدهور.
هذه الوضعية تطرح علامات استفهام كبرى حول الأسس التقنية التي بُني عليها المشروع منذ انطلاقه، وحول مدى سلامة الدراسات الهندسية المنجزة، خاصة ما يتعلق بطبيعة التربة، وتصريف مياه الأمطار، وتدعيم المنحدرات الصخرية. كما تفتح النقاش حول الجهات التي منحت التراخيص وصادقت على محاضر التسلم، رغم ما تكشف لاحقا من اختلالات بنيوية واضحة.
ومع تسجيل ثلاث انقطاعات في فترة زمنية وجيزة، يتأكد بالملموس أن الحلول الظرفية لم تعد مجدية، وأن هذه الطريق في حاجة ماسة إلى تقييم هندسي شامل، يعيد النظر في تصميمها ومواصفاتها التقنية، بدل الاكتفاء بتدخلات موسمية لا تصمد أمام أول اختبار طبيعي.
إن الرهان اليوم لا يتعلق فقط بإصلاح طريق، بل بضمان سلامة الأرواح، وترسيخ مفهوم الحكامة في إنجاز المشاريع الكبرى. فالتنمية الحقيقية لا تقوم على مشاريع تُدشَّن على عجل ثم تُترك لمصيرها، كما أن سلامة المواطنين لا تحتمل منطق الترقيع، بل تستوجب رؤية واضحة، ومساءلة حقيقية، ومخطط صيانة مستدام يضع حدّا لنزيف الاختلالات المتكررة.
