خطوة نحو الغد.. الجيل الخامس يعيد رسم المشهد الرقمي في المغرب

خطوة نحو الغد.. الجيل الخامس يعيد رسم المشهد الرقمي في المغرب
حجم الخط:

سلمى شكوري

يشهد المغرب اليوم محطة مفصلية في مسار تطوره التكنولوجي، مع الإعلان الرسمي عن إطلاق شبكة الجيل الخامس (5G)، في خطوة تعكس طموح المملكة نحو ترسيخ مكانتها ضمن الدول الساعية إلى بناء اقتصاد رقمي متكامل، قادر على مواكبة التحولات العالمية المتسارعة. ويأتي هذا الإنجاز نتاج رؤية استراتيجية تتقاطع فيها أبعاد التحديث التكنولوجي، والتنمية الاقتصادية، وتجويد الخدمات العمومية، من أجل تعزيز القدرة التنافسية الوطنية وفتح آفاق واسعة للابتكار.

لقد شكّل الانتقال من الجيل الرابع إلى الجيل الخامس أكثر من مجرد تحسين تقني في سرعة الإنترنت، فالجيل الخامس يرتكز على منظومة اتصال متطورة ذات قدرة هائلة على معالجة البيانات في زمن قياسي، مما يتيح تطوير تطبيقات كانت إلى عهد قريب مجرّد مشاريع نظرية. فبفضله، تصبح المدن الذكية واقعًا ملموسًا، وتُفتح أبواب جديدة أمام الطب عن بُعد، ونُظُم النقل الذكية، والصناعة المؤتمتة، والتعليم الرقمي عالي التفاعل. إننا أمام ثورة خدماتية تُعيد صياغة أنماط الحياة، وأساليب الإنتاج، وطرق التواصل بين الفرد والمؤسسات.

ووفق ما أعلنته الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، فإن المرحلة الأولى من تفعيل هذه الشبكة ستهم كبريات المدن المغربية، في انتظار أن تمتد تدريجيًا نحو باقي الجهات، بعد استكمال عمليات تقوية البنية التحتية ودعم شبكات الألياف البصرية. وتأتي هذه الخطوة ضمن مسار متدرّج يروم ضمان تغطية شاملة ومستقرة، بعيدًا عن أي اندفاع غير محسوب قد ينعكس سلبًا على جودة الخدمة أو تكلفة تفعيلها بالنسبة للمستخدم.

لا تنفصل هذه الدينامية عن التوجّه العام الذي تعتمده المملكة منذ عدة سنوات، والهادف إلى تعزيز الرقمنة كخيار تنموي، باعتبارها رافعة أساسية لجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز الاقتصاد الوطني في زمن أصبحت فيه التكنولوجيا معيارًا للقوة والتأثير. فالمغرب يعمل، عبر مؤسساته التقنية والاقتصادية، على خلق بيئة حاضنة للمقاولات الناشئة، وتشجيع البحث العلمي التطبيقي في مجالات الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وتحليل البيانات الكبرى. ويُنتظر أن يُسهم إطلاق الجيل الخامس في تأمين قاعدة متينة لهذه الطموحات.

ومع ذلك، فإن هذا المشروع الطموح لا يخلو من تحدّيات، من بينها الكلفة العالية لتطوير البنية التحتية، وضرورة توفير أجهزة متوافقة لدى المستهلكين، إضافة إلى ضرورة تعزيز منظومة الأمن السيبراني لحماية المعطيات الرقمية من الاختراقات. غير أن هذه التحدّيات، على أهميتها، تبقى طبيعية في سياق أي تحول تكنولوجي جديد، ويمكن تجاوزها ضمن رؤية تدريجية واضحة، وإرادة سياسية واقتصادية متماسكة.

إن إطلاق شبكة الجيل الخامس في المغرب ليس مجرد حدث تقني، بل هو إعلان عن دخول البلاد مرحلة جديدة من الحداثة الرقمية، مرحلة تُسهم في إعادة صياغة النموذج الاقتصادي والاجتماعي، وتضع المواطن في قلب مشروع تنموي يستشرف المستقبل بثقة وثبات. إنه انتقال من الاستهلاك التكنولوجي إلى الاستثمار في المعرفة، ومن متابعة التطور العالمي إلى المشاركة في صناعته.

ومع تراكم التجارب وتقدم وتيرة التغطية، سيلمس المواطن المغربي تحسّنًا حقيقيًا في جودة الاتصال وسهولة الولوج إلى الخدمات الرقمية، مما سيجعل من التكنولوجيا رافعة للارتقاء المجتمعي، لا مجرد أداة تقنية عابرة.