النهار المغربية – الدار البيضاء
عممت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية خطبة الجمعة اليوم على مختلف الخطباء و الائمة بمساجد المملكة و التي اختير لها موضوع وجوب تجنب الفساد في الأرض، و جاءت كالآتي:
الحمد لله الذي أنعم على عباده بالسماء فرفع سمكها وسوّاها، وبالأرض فدحاها، وأخرج منها ماءها ومرعاها، نحمده تعالى على نعمه العظمى دنياها وأخراها، ونشهد أن لا إله إلا الله شهادة صدق ويقين، ونشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر الميامين، صلاة وسلاما تامين متتابعين إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها المؤمنون والمؤمنات، يقول الله تعالى في محكم التنزيل:
> **﴿ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها﴾** [الأعراف: 55-85]
نهى الله سبحانه وتعالى عباده في هذه الآية عن الفساد في الأرض بعد أن أصلحها ومهدها لتكون صالحة لحياة الناس، ولتحقيق مصالح المعاش والمعاد، ولأن الفساد إنما يكون بما كسبت أيدي الناس.
### معاني الفساد في القرآن الكريم
1. **الشرك بالله وقطيعة الرحم**
قال تعالى: **﴿الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض﴾** [الرعد: 25]
فقد قرن الله تعالى بين الإعراض عن الإيمان وقطيعة الرحم، وقرن الإيمان بصلة الرحم.
2. **التعدي على الناس وسفك دمائهم**
قال سبحانه: **﴿من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا﴾** [المائدة: 32]
3. **نقض العهود مع الله ومع العباد**
قال تعالى: **﴿فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم﴾** [محمد: 22]
4. **أكل أموال الناس بالباطل**
عن طريق البخس والتطفيف في الكيل والميزان والغش، قال تعالى حاكياً عن شعيب عليه السلام:
**﴿ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها﴾** [هود: 85]
5. **انتهاك الأعراض وإتيان المناكر**
كما في قوله تعالى عن قوم لوط: **﴿أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين﴾** [العنكبوت: 28]
وهكذا يدرك المتتبع للقرآن الكريم أن الله تعالى ينهى عن كل سلوك يخالف الشريعة ويعتدي على حقوق الله وحقوق العباد، في الدين والعقل والعِرض والمال والنفس. وهذه هي **الضروريات الخمس** التي جاءت الشرائع كلها لحفظها.
وكل تصرف يخالف ذلك فهو إفساد في الأرض واعتداء على الحرمات.
## الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبي الهدى والرشاد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المؤمنون والمؤمنات، إن الفساد في الأرض يشمل كل مخالفة شرعية أو قانونية تؤدي إلى خلل في استقرار حياة الناس. ومن واجب الجميع في مواقعهم محاربته بكل أشكاله، فـ **الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن**، كما قال سيدنا عثمان رضي الله عنه.
قال تعالى:
> **﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين﴾** [البقرة: 251]
فالآية تبين أن من فضل الله على الناس أن هيأ لهم من يدفع عنهم الفساد ويقوم بمصالحهم، وهم ولاة الأمور والعلماء، الذين يحملون أمانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى:
> **﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾** [آل عمران: 104]
ومن مظاهر الفساد المعاصرة إفساد البيئة، وتلويث الهواء والماء، وقطع الأشجار، والاعتداء على الحيوانات. وقد سبق الإسلام إلى النهي عن كل هذا الإفساد، وأمر بغرس الأشجار وصيانة الأبدان والأمكنة.
**فاتقوا الله عباد الله**، وصلوا وسلموا على من بعثه الله مزكياً ومعلماً ومربياً، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، صلاة وسلاماً دائمين بعدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحب والتابعين.
اللهم انصر مولانا أمير المؤمنين **الملك محمد السادس** نصراً مؤزراً، ووفقه لما تحب وترضى، وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل **مولاي الحسن**، وشد أزره بصنوه السعيد **مولاي رشيد**، واحفظ باقي الأسرة الملكية الشريفة.
اللهم تغمد برحمتك الملكين الراحلين **محمد الخامس** و**الحسن الثاني**، وطيب ثراهما، واغفر لآبائنا وأمهاتنا وسائر موتى المسلمين.
اللهم احفظنا من الفساد والمفسدين، ومن اليطان وتسويلات النفس الأمارة بالسوء، وأصلح لنا شأننا كله.
> **سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 
                     
   
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                    