التأهل المبكر إلى كأس العالم يرسّخ مكانة كرة القدم المغربية قاريّاً وعالميّاً

مع تحقيق المنتخب المغربي لكرة القدم تأهله المبكر إلى نهائيات “كأس العالم 2026″، كأحد أوائل المنتخبات الإفريقية التي حجزت “بطاقة العبور” قبل إسدال ستار التصفيات، تستشرف كرة القدم المغربية محطة مفصلية في مسار “أسود الأطلس”؛ مدعومة بإنجازات لم تعُد خافية كان آخرُها تتويج “منتخب المحليين” بـ’شان 2024″.

وأمس الجمعة في “ليلة مشهودةٍ” على أرضية الملعب التابع للمركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط في حلته العالمية، نجح المنتخب الوطني في التأهل المونديالي للمرة السابعة في تاريخه، بعد “خُماسية” أهداف ومواصلةِ الناخب الوطني وليد الركراكي تجربةَ عناصر جديدة وشابة واعدة في أفق الاستحقاقات المقبلة؛ على بعد نحو ثلاثة أشهر من انطلاقة صافرة “كان المغرب 2025” فوق الملاعب المغربية.

إعلان التأهل المبكر إلى كأس العالم يرسّخ مكانة كرة القدم المغربية قاريّاً وعالميّاً

وحسب ما أبرزه محللون رياضيون هذا الإنجاز لا يختزل فقط تفوقا رياضيا داخل المستطيل الأخضر؛ بل يعكس أيضا دينامية أوسع ترتبط بالاختيارات الاستراتيجية في مجال الاستثمار الرياضي والبنيات التحتية والتسيير. وبين دلالاته الرمزية قاريا ودوليا وبين الدروس التي يفرضها على مستوى الاستعداد للنهائيات المقبلة، يطرح هذا التأهل أسئلة عميقة حول موقع الكرة المغربية اليوم وما يمكن أن تحققه غدا في ساحة عالمية شديدة التنافسية.

“ليس وليدَ الصدفة”

إدريس عبيس، الإطار الوطني والمحلل الرياضي، أكد أن تأهل المنتخب المغربي المبكر إلى نهائيات كأس العالم 2026 لم يكن وليد الصدفة؛ بل نتيجة تضافر عوامل رياضية وتنظيمية واضحة.

وقال عبيس، ضمن حديث لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، شارحا: “نَجح الطاقم التقني بقيادة وليد الركراكي، مدعوما بالجهاز الإداري والطبي، في خلق أجواء من الانسجام والاستقرار داخل المجموعة، بعيدا عن أي توترات أو صراعات داخلية”، لافتا إلى أن “هذا المناخ جعل اللاعبين، سواء المحترفين في الخارج أو الممارسين محليا، يجدون بيئة محفزة تعزز روح الانتماء والتنافسية طيلة مسار التنافس في التصفيات”.

وأضاف الإطار الوطني والمحلل الرياضي أن “الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، برئاسة فوزي لقجع، لعبت دورا محوريا من خلال استراتيجية انتقاء دقيقة لأفضل العناصر حسب مراكز اللعب؛ مما أسس لقاعدة صلبة من اللاعبين، خصوصا على مستوى الوسط الهجومي والأجنحة، في حين لا يزال خط الدفاع بحاجة إلى المزيد من التوازن، وهو ما يفسر تجريب المدرب لخيارات متعددة في قلب الدفاع، خاصة خلال مباراة النيجر”.

وأبرز المتحدث عينه أن “الاهتمام الملكي بكرة القدم والاستثمار الكبير في البنيات التحتية، وعلى رأسها مركز محمد السادس لكرة القدم، عززَا مكانة المغرب قِبلة قارية ودولية، فيما يمتد ذلك ليفرض نفسه أحَدَ المراجع في التنظيم والتكوين؛ وهو ما عزز مكانته داخل الاتحاد الإفريقي وحتى على مستوى الاتحاد الدولي “فيفا” باختيارها الرباط لاستضافة مقرها الإقليمي.

أما على الصعيد الرمزي، فقد عد الإطار الوطني أن “الإنجاز يكتسي بعدا قاريا ودوليا ملموسا، إذ لم يعد المنتخب المغربي مجرد منافس عادي؛ ليتحول إلى رقم صعب في معادلة الكرة القارية والإقليمية وكذا العالمية، خاصة بعد بلوغه نصف نهائي كأس العالم في “قطر 2022″، وهو ما رفع سقف الطموحات لدى الجماهير واللاعبين على السواء”.

مستشرفا التحديات المقبلة، خلص إدريس عبيس إلى أن “المنتخب مُطالب بتثبيت هذا التفوق في مونديال كندا والولايات المتحدة والمكسيك، معتمدا على تجربة نجومه الذين ينشطون في كبريات الدوريات الأوروبية، وقدرتهم على مواجهة المنتخبات العالمية دون مُركب نقص”، مستحضرا “رهانا يمتد إلى أفق 2030، حيث يسعى المغرب إلى تعزيز حضوره كقوة كروية قارية وعالمية، بما ينسجم مع مشروع استضافة كأس العالم لذلك العام”.

“تراكمات التطور وتضاعُف المسؤولية”

عزيز داودة، الإطار التقني الوطني والخبير الرياضي، لفت إلى أن “تأهل المنتخب المغربي إلى نهائيات كأس العالم للمرة الثالثة تواليا والسابعة في تاريخه هو محطة فارقة في مسار الكرة الوطنية، بعدما كانت المشاركات السابقة متقطعة وغير منتظمة”.

وفي تقدير داودة، مصرحا لجريدة جريدة النهار، فإن هذا التأهل “يعكس هذا الإنجاز المتواصل حجم التطور الذي بلغه الفريق الوطني على المستويين التقني والتنظيمي، بفضل الاستقرار الإداري والفني، وتضحيات مختلف المكونات من جامعة ملكية وأطر تقنية ولاعبين، فضلا عن “توفر إمكانيات مادية وبنيات تحتية متقدمة” عززت جاهزية المنتخب وقدرته على الحسم المبكر في التصفيات.

وأضاف الإطار التقني الوطني والخبير الرياضي بالشرح أن “بلوغ هذا الإنجاز قبل استكمال التصفيات الإفريقية، وتحول المغرب إلى أول بلد إفريقي يحجز بطاقة التأهل إلى المونديال المقبل، يؤكد المكانة التي بات يحتلها على الساحة القارية والدولية.

كما شدد المتحدث على أن دورة 2026، التي ستُقام في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، تكتسي أهمية خاصة بحكم رمزيتها التاريخية وموقعها الجغرافي؛ ما يضاعف مسؤولية العناصر الوطنية في تأكيد الحضور القوي والبناء على هذا المسار الاستثنائي الذي يُصنف اليوم ضمن أبرز محطات تاريخ الكرة المغربية”.

ولم يفتِ داودة أن يستحضرَ تحقيق التأهل على أرضية المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله الجديد في المغرب الذي دُشن بحضور ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وهو حدث ذو دلالة كبيرة تعكس استمرار الرعاية الملكية المتواصلة شخصيا للرياضة الوطنية”، موردا أن “الأسود حققوا الإنجاز بالملعب الذي يرمز إلى النضج والتقدم الحضاري للمملكة ويمثل أكثر من مجرد مكان للعب كرة القدم”.

وبإجمال، استَخلص الإطار التقني الوطني والخبير الرياضي قائلا: “تأهل المنتخب الوطني المغربي إلى مونديال 2026 يعد إنجازا يبعث على الفخر لدى الجماهير والشباب المغاربة، مبرزا أن “المشاركة في المونديال أصبحت اليوم مطلبا طبيعيا لفريقٍ أثبت مكانته منذ نسخة 2022 حين أزاح منتخبات كبرى بفضل جهد تكتيكي وتقني واستثمار ضخم في البنيات التحتية وعلى رأسها مركز محمد السادس الذي يثير إعجاب المحترفين المغاربة بالخارج”.

وختم دوادة بالقول إن “تبوء المراتب المتقدمة لم يعد استثناء بل قاعدة، وأن أي تعثر قد يُنظر إليه كخيبة أمل(…) هذا يضاعف حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الطاقم الفني واللاعبين، مدعوما بظروف مادية وتنظيمية مواتية، وبمسؤولية جماعية تشمل الجماهير والصحافة في مرافقة الفريق الوطني لتحقيق النتائج الإيجابية المنتظرة”.

زر الذهاب إلى الأعلى