الجزائر تحصد ثمار زرع الفوضى في الحدود وضرب استقرار الجوار الإقليمي

تبدو الحدود الجزائرية اليوم، خاصة مع دول الساحل، بمثابة مرآة تعكس تعقيدات السياسة الخارجية لقصر المرادية وأخطاءه الدبلوماسية المتكررة، فبينما تسعى دول الجوار الجزائري إلى الحفاظ على استقرارها وأمنها يواصل هذا البلد المغاربي دعم عدم الاستقرار في المنطقة من خلال تحركات خلف الكواليس، ما وضعه في قلب أزمات إقليمية متلاحقة يُتوقع أن يحصد ثمارها على المديين المتوسط والبعيد؛ ذلك أن النتيجة الحتمية لهذه السياسات الهدامة هي مواجهة الجزائر ارتدادات أمنية ودبلوماسية كبيرة، تهدد استقرارها وتعيد رسم موقعها في الخريطة الإقليمية.

في هذا الصدد ذكرت مصادر إعلامية أن المجلس الأعلى للأمن القومي الجزائري عقد مؤخراً اجتماعاً برئاسة قائد الأركان، الفريق السعيد شنقريحة، نُوقشت خلاله “التهديدات” القائمة على الحدود الشرقية والجنوبية للبلاد، خاصة مع مالي وليبيا، وضرورة تعزيز انتشار وحدات الجيش الوطني الشعبي بهذه النقاط الحدودية التي تشهد أزمات وتوترات أمنية، يعتبرها مهتمون انعكاساً مباشراً لاختيارات النظام الحاكم في الجزائر، التي حولت الأخيرة إلى مصدر تهديد حقيقي للأمن الإقليمي والدولي.

إعلان الجزائر تحصد ثمار زرع الفوضى في الحدود وضرب استقرار الجوار الإقليمي

نتيجة طبيعية ومشاكل أمنية

رفيق بوهلال، محلل سياسي وناشط جزائري معارض، قال إن “كل المشاكل والتوترات التي تشهدها الحدود الجزائرية، سواء مع دول الساحل أو ليبيا، هي نتاج طبيعي للسياسة الخارجية للنظام الجزائري، الذي افتعل أزمات عديدة مع هذه الدول بسبب الطريقة العشوائية وغير محسوبة العواقب التي يتعاطى بها مع عدد من الملفات الإقليمية الحساسة”.

وأضاف بوهلال، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن “الجزائر خسرت في عهد هذا النظام الفاشل العلاقات الجيدة التي كانت تجمعها بدول الساحل، التي باتت تتهمه بمحاولة ضرب استقرارها ودعم جماعات مسلحة تعتبرها الأنظمة الحاكمة في هذه الدول جماعات إرهابية”، مبرزاً أن “الاتحاد الأوروبي نفسه أدرج الجزائر ضمن قائمته الجديدة للبلدان عالية المخاطر التي تُظهر نواقص إستراتيجية في أنظمتها الوطنية لتمويل الإرهاب”.

وتابع المتحدث ذاته بأن “هذا التصنيف الأوروبي يؤكد أن النظام هو المسؤول عن كل المشاكل الأمنية على الحدود، وهي المشاكل ذاتها التي يشتغل عليها لاحتواء الجبهة الداخلية ومحاولة خلق إجماع وطني وهمي حول سياساته التي باتت تواجه بامتعاض حتى من طرف دول حليفة للجزائر”، مسجلاً أن “كل هذه السياسات نتيجتها النهائية هي العزلة أمنياً ودبلوماسياً، وربما توقيع عقوبات على الدولة الجزائرية بسبب دعمها التنظيمات الإرهابية في المنطقة، كجبهة البوليساريو”.

وخلص المحلل نفسه إلى أن “العزلة التي تعاني منها الدولة الجزائرية في الوقت الحالي أسوأ مما كان عليه الأمر خلال العشرية السوداء، إذ أصبحت منبوذة عالمياً”، مشدداً على أن “النظام الجزائري مازال مستمراً في سياسة شراء مواقف بعض الدول الإفريقية التي تعاني اقتصادياً للتماهي مع مواقفه في بعض القضايا، كقضية الصحراء، كما يواصل استهداف استقرار الدول التي ترفض التماهي مع طرحه”.

تدخلات جزائرية ونتائج وخيمة

من جهته أوضح شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، أن “الإشكالات الحدودية في الجزائر هي من صنع النظام وليس أي طرف آخر، إذ أصبحت الحدود مع دول الساحل، خاصة مالي، متوترة بسبب التدخل الجزائري في شأنها الداخلي ودعم أطراف على حساب أخرى؛ وهو التوجه الذي ترسخ منذ انسحاب باماكو من اتفاق الجزائر الموقع سنة 2015، ما قوبل برفض وامتعاض جزائري يُترجم في محاولات لزعزعة الاستقرار في مالي”.

وأبرز بن زهرة، في حديث مع جريدة النهار، أن “الجزائر محاصرة من كل الجبهات بسبب سياساتها التدخلية في المنطقة، ووصل الأمر بها إلى حد افتعال أزمة صامتة وغير معلنة مع الحليف الروسي، الذي ينشط بقوة في الساحل وفي ليبيا، خاصة بعد رفض انضمام الجزائر إلى منظمة ‘بريكس’، وبالتالي فإن النظام اليوم لم ينجح فقط في استعداء كل دول الجوار بل حتى أقرب حلفائه التاريخيين”.

وذكر المتحدث ذاته أن “رفض الجزائر التعاون مع الدول المجاورة في مراقبة الحدود، ومواصلة سياسة دعم التنظيمات المسلحة الخارجة عن القانون، أشعل الحدود؛ بل إن موريتانيا بدورها بدأت تشعر بالقلق والخطر القادم من حدودها مع الجزائر، حيث اتجهت نحو إنشاء نقاط تفتيش وتعزيز الرقابة الحدودية لمواجهة تهديدات محتملة من قبل عناصر البوليساريو”.

وأشار الناشط السياسي نفسه إلى أن “الحدود الجزائرية-الموريتانية كانت مفتوحة في وجه ميليشيا البوليساريو الانفصالية، التي تتحرك بكل حرية وتمارس أنشطة غير مشروعة كالتهريب، ما يؤثر على الأمن القومي الموريتاني، وعليه فإن كل هذه التوترات الحدودية نتيجة مباشرة للسياسات الجزائرية العدائية تجاه جيرانها، التي ساهمت في تفاقم حالة عدم الاستقرار الأمني في المنطقة، وتنذر بنتائج وخيمة على الجزائر التي قد تحصد ما زرعته في هذه المنطقة بسبب شساعة حدودها”.

زر الذهاب إلى الأعلى