سياحة طب الأسنان تثير نقاشا بالمغرب

ازدهار يطبعُه التسارع مجال السياحة العلاجية في طب الأسنان في المغرب، كبلدٍ يرسخ موقعه كإحدى الوجهات المفضّلة لدى آلاف الأوروبيين، ولا سيما الإسبان؛ في ظاهرة ما زالت تثير زوبعة جدلٍ متصاعد.

في ثنايا مقال نشرته صحيفة “ABC” الإسبانية حذّر أوسكار كاسترو راينو (Óscar Castro Reino)، رئيس المجلس العام لأطباء الأسنان في إسبانيا، من مخاطر ما يُعرف بـ”الرحلات السريعة” التي تجمع بين العلاج وبين الأنشطة الترفيهية، واصفا هذا المزيج بـ”الخليط الانفجاري”.

إعلان سياحة طب الأسنان تثير نقاشا بالمغرب

ولم تمُر تصريحات المسؤول الإسباني دون أن يُسمَع صداها بقوّة في المغرب، حيث يرفض المهنيون أن يُختزل بلدهم في صورة وجهة “منخفِضة التكلفة” (“low-cost”) لعلاجات الأسنان؛ فبالنسبة إليهم، نجح المغرب، عبر السنوات، في بناء قطب حقيقي للكفاءات الطبية وتجهيز بنيات تحتية حديثة.

وفي حديثه مع الصحيفة سالفة الذكر، وجّه أوسكار كاسترو راينو انتقادات إلى العروض التجارية التي تغزو منصات مثل “تيك توك”، والتي تقترح على المرضى الإسبان، مقابل بضع مئات أو آلاف من اليوروهات، الحصول على “ابتسامة هوليوودية” في مراكش أو الرباط، تتخلّلُها إقامات فندقية ورحلات سياحية.

ويَعتبر المسؤول عن المجلس العام لأطباء الأسنان بالجارة الشمالية للمملكة أن هذه العلاجات السريعة لا تسمح بتشخيص متكامل ولا بمتابعة طبية جدية.

وحذّر المسؤول الإسباني من مخاطر تبدأ بحساسية الأسنان وقد تنتهي بمضاعفات خطيرة، خصوصا عند استعمال مواد غير مطابقة للمعايير. “الرخيصُ ثمنه غالٍ”، المتحدث عينه مؤكدا أن الصحة لا يمكن اختزالها في خدمة سياحية.

لكن هذه الانتقادات وُوجهت بمواقف مضادة في المغرب، حيث قال عدد من أطباء الأسنان إن الصورة المقدمة عن القطاع تحتملُ “قدرا كبيرا من التبخيس”.

وفي هذا الصدد، شدّد الدكتور حمزة اليونسي، طبيب الأسنان، على أن “المغرب لا يقل شأنا عن جيرانه في الشمال من حيث الكفاءات الطبية”.

وأكد اليونسي، في حديث سابق لجريدة النهار (النسخة الفرنسية)، أن الأطباء المغاربة متخرجون من كليات معترف بها، وكثير منهم راكموا خبرات بالخارج، فيما عياداتُهُم مجهّزة وفق أحدث المعايير الدولية.

اليوم، تحتضن كبريات المدن المغربية مراكز متطورة لطب الأسنان، مجهزة بتكنولوجيا حديثة وتعمل في إطار معايير دولية صارمة للنظافة والسلامة. وسجل المهنيون أن “تطور السياحة العلاجية في المغرب هو ثمرة استثمارات متواصلة لجهود التعليم العالي، والبحث العلمي، وتأطير الممارسة الطبية”.

ومثل أي بلد يشهد طفرة في هذا المجال، لم يَسلم المغرب من بعض التجاوزات؛ فقد سبق للهيئة الوطنية لأطباء الأسنان (ONMD) بالمغرب أن دقّت ناقوس الخطر، محذّرة من “انتشار ممارسات غير قانونية يقوم بها أشخاص غير مؤهلين في أماكن تفتقر لأبسط شروط النظافة. إلّا أن الأطباء يصرّون على أن هذه الحالات تبقى محدودة وتخضع لرقابة صارمة، إذ أُغلقت عيادات مخالفة وأُحيل أصحابها على القضاء”.

وأكد طبيب الأسنان سالف الذكر أن “المشكل ليس في كليّات المغرب ولا في أطبائه المؤهلين؛ بل في بعض الممارسات الخارجة عن القانون”، مذكّرا بحالات لمرضى تعرّضوا لمضاعفات خطيرة بعد تدخلات أجراها غير المختصين.

غير أن السياحة العلاجية في المغرب لا يمكن فصلها عن السياق العالمي؛ فتركيا دشّنت الظاهرة بما يُعرف بـ”أسنان تركيا” (Turkey Teeth) التي استقطبت آلاف الأوروبيين. كما تُسجل أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والصين “إقبالا متزايدا” على هذا النوع من الخدمات.

وسط هذا المشهد العالمي والإقليمي، يرسّخ المغرب موقعه وجهة قريبة ومفضَّلة للإسبان والفرنسيين، بفضل موقعه الجغرافي وتنافسية أسعاره وجودة عرضه الطبي المتنامية. وأبرز ممارسو المهنة في المغرب أن “الرهان اليوم ليس في وقف هذا التوجّه؛ بل في تأطيره بشكل أفضل عبر تشديد القوانين المنظمة للإشهار الطبي، وضمان تتبّع أدق للعلاجات، ومراقبة صارمة للمؤهلات المهنية”.

“السياحة العلاجية في المغرب ليست نشاطا عابرا ولا تجارة ظرفية، بل ثمرة سنوات من الاستثمار في التعليم والبحث والتقنين وتطوير خبراتٍ وطنية مشهودٍ بها”، ختم المتحدث.

زر الذهاب إلى الأعلى